يعيش المرء حياته مختلفًا في مقاصده تغلب عليه حقبته الزمنية وتؤثر فيه حياته الاجتماعية. فهذا رُزق بأبوين يحددان أهدافهما ويعلمون ما هي الغاية من تلك الذرية ويؤسسان في ولديهما ما تأمل له نفسيهما بيئة ممهدة لنجاح بعد قدر الله. وآخران لا يعلمان عن نفسيهما شيئًا فضلًا عن معرفة حقوق أولادهما وما الغاية النبيلة من تلك الهبة العظيمة فلا هدف ولا غاية ولا عناية.
وبين هذا وذاك خلق كثير لا يدرون ولا يشعرون بشئ تائهون مع الدنيا ترفعهم تارة وتخفضهم أخرى. وهم الفشل ويقين النجاح
وهم الفشل
وترى شبابًا تركوا أنفسهم لآخرين وجعلوا من أنفسهم وعاءً للطاقات السلبية، فكلما أراد أحد أن يعبث بهم كانوا صيدًا سهلًا. صعبوا الأمور ووضعوا العراقيل لا يصاحبون من يُرجى مِن ورائه خيرًا. حتى لو وجدوا نجاحًا أمام أعينهم تفننوا في نقده كي يُظهروه فاشلًا. ومثل هؤلاء غرر بهم من يريد هزيمة الشباب حتى لو أظهر لهم خيرًا فأوهمهم بالفشل وكان لهم من المثبطين لا يترك أمرًا يتسبب في هزيمتهم النفسية إلا وذكرهم به يسعى لإحباطهم وقد يكون ليس له من وراء ذلك إلا فشل من حوله ليداري فشله.
فيا أيها الشباب ويا أيتها الفتيات دعكم من السعي خلف هؤلاء الذين يزرعون بينكم ذلك الوهن وهذا الوهم. واعلموا أن المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل.
دعكم من هذا الإهدار الرهيب للوقت متنقلين فيه بين ألعاب عبر شاشاتكم الصغيرة كل هدفها تحطيم أمة. فلقد استهدفكم أعداؤنا من أجل إضعاف أمتنا. ألعاب لا تعود عليكم بأية مكاسب فكلها خسائر في غالب النواحي سواء الدينية أو الاقتصادية او الصحية أو الأخلاقية. حتى النجاح الذي يُجنى من وراء ذلك نجاح مزيف باهت لاوزن ولا قيمة له.
دعوكم من هؤلاء الخلق الذين يظهرون فيكم وبينكم على أنهم لكم مخلصون فلو صدقوا لصدقوا في إخلاصهم لأنفسهم.
اعلموا أن الحياة الدنيا معبر للآخرة
فهذه الحياة زاد لما بعدها فمن تزود بالخير فقد نجى ومن تزود بالشر فقد هوى. والهزيمة النفسية سببها الوهم؛ وهم بعدم المقدرة على النجاح؛ وهم بصعوبة الإقلاع عن الذنوب؛ وهم بأن الله لا يقبل التوبة؛ وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال إبليسُ: وعزَّتِك لا أبرحُ أُغوي عبادَك ما دامت أرواحُهم في أجسادِهم. فقال: وعزَّتي وجلالي لا أزالُ أغفرُ لهم ما استغفَرُوني). [1]الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب. الدرر السنية
فانظر يرحمني ويرحمك الله، الشيطان يتوعد بني آدم بالإغواء والوهم للتثبيط، والله عز وجل يعدك المغفرة فلا تيأس من روح الله أبدًا.
بين وهم الفشل ويقين النجاح
وبين وهم الفشل ويقين النجاح تكون تلك الشخصية التي يكفيها الشعور بالمسئولية والدور الذي يجب أن تكون عليه والغاية من خلقها. فهذه الشخصية السوية التي أنعم علينا بها رب البرية واجب علينا رعايتها حق رعايتها والاهتمام بها فلكم ضاع شبابنا وأصبحوا لا وزن ولا قيمة لهم فلقد صدَّقوا ذلك الوهم ولما أرادوا الهروب مما أصبحوا فيه لم يكن لهم سبيل إلا سبيلًا واحدًا (المخدرات) تلك الآفة التي ابتُليت بها الأمة لتدمير شبابها أو المكوث على الشاشات لتحقيق (النجاح المزيف) نجاحًا لا فائدة منه عائدة حتى على أقرب الناس إليه.
فإن الإعتناء بنفسك وبمن حولك وغرس التفوق والنجاح والعز والانتصارات كل ذلك من أسباب اليقين بالنجاح.
يقين النجاح
وصاحب اليقين صاحب همة عالية زائد في الإيمان حسن التوكل يعلم أنه بالرغم من عيشه في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل إلا أنه يتزود منها وأيما تزود مؤمن بأن اليوم عمل بلا حساب وغدًا حساب بلا عمل لا ينظر لهؤلاء الذين يبيعون الوهم بل متمسكًا بمن يغرس فيه اليقين.
يعلم قيمة نفسه وأنه لم يُخلق فقط للأكل والشرب واللعب واللهو بل يعطي كل ذي حق حقه. علم بأن الدنيا وسيلة وأن النظر لوجه الله هو الغاية. علم أنه لا خير في خير عاقبته النار فسعى لإخلاص نيته وحسن عمله كي يكون عمله خير عاقبته الجنة.
علم من سنة نبيه أنه كان يحب الفأل فلم يترك نفسه لليأس ولا للتشاؤم امتلك من اليقين ما يرجو به رحمة رب العالمين فلم تكن نفسه منهزمة بل منشرح الصدر. فليمتلئ قلبك وعقلك بذلك اليقين الذي يجعل منك هذا الناجح. ولتعلم أن الرفع لا يأتي إلا بعد الخفض والأشياء تُعرف بضدها حتى وإن تعثرت وأنت تسير على الطريق فلا تكن تلك الشخصية الانهزامية المحبطة ولتكن ساعيًا لتحقيق ذلك النجاح الذي يكون سبب سعادتك في الدنيا والآخرة.
واعلم أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا. فهذه حتى يمتلئ قلبك يقينًا ولو لم تؤجر في الدنيا فعند الله ثواب الدنيا والآخرة. وفي نهاية مقالي أذكر نفسي وإياك بكلام سيد المرسلين لأبث فيك وفي نفسي الأمل ولنبذ اليأس فعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن قامتِ الساعةُ و في يدِ أحدِكم فسيلةً، فإن استطاعَ أن لا تقومَ حتى يغرِسَها فليغرِسْها).
فكن على يقين بالنجاح كن متفائلًا كن على قدر المسؤولية لا تكن صيدًا سهلًا لبائعي وهم الفشل.
حفظني الله وإياكم أحبابي من كل مكروه وسوء.
دمتم في رعاية الله وحفظه.
كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد خيري بدر من مصر. تخرج من معهد دراسات تكميلية بدمياط وعُين معلم بمدرسة ثانوية صناعية، وتوجه بعدها للقراءة والكتابة الاجتماعية، ومن هواياته الرسم.
الملاحظات أو المصادر
| ↑1 | الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترغيب. الدرر السنية |
|---|
