الإنسان، والحيوان: شراكة المرض

بين الإنسان والحيوان، علاقة “تاريخية” عريقة، ووثيقة. فهما “رفقاء” درب طويل، ظللته “هالات” من الرهبة، والرغبة، ومجالات عديدة من الشراكة، ومنها “شراكة” المرض. الأمراض الحيوانية المنشأ.

الأمراض الحيوانية المنشأ
Boldsky

يوجد بين الإنسان والحيوان أكثر من مئتي مرض مشترك. منها ما هو معروف منذ عقود، ومنها ما هو مُستجد حديث الظهور (وآخرها التهام للخفافيش وغيرها في ظهور وباء كورونا الحالي COVID-19). ولقد زادت أهمية هذه الأمراض -القديمة، والحديثة في آن معًا- على كافة الصُعد العالمية، والإقليمية، والمحلية، وذلك مع النموّ السكاني، وتكثيف الإنتاج الحيواني، وهجرة الأحياء البرية، والتوسُّع الحضري، وزيادة معدلات السفر والتجارة الدولية في الحيوانات والطيور ومنتجاتهما.

ولا يَخْفَى أن مقاومة الميكروبات لمضاداتها الحيوية تُشكِّل عبئًا متزايدًا على نُظُم الرعاية الصحية في ما يتعلق بمعالجة كثير من هذه العلل المشتركة. ولخطورة ما قد تشكله هذه الأمراض من ضرر مباشر على صحة أفراد المجتمع، واقتصادياته، وانتاجيته، أصبح علم الأمراض المشتركة Zoonosis من العلوم الهامة.

كيف تنتقل الأمراض المشتركة؟ (الأمراض الحيوانية المنشأ)

تنتقل هذه الأمراض، بشكل مباشر (نحو 30% منها) أو غير مباشر (70%)، بين مضيّف حيواني وبين الإنسان (مُتعامل مع حيوانات مريضة أو منتجاتها أو من يتناولونها). وبعضها ينتقل عن طريق “وسيط” مثل الحشرات، حيث تحمل جراثيمًا مَرَضية لشخص سليم.

فالناموس ينقل فيروس مرض “حمي غرب النيل” من دماء الطيور المصابة إلي الإنسان. وهناك مجموعة من الأمراض تنتقل عن طريق تلوث الغذاء، أو المياه، أو التربة، …إلخ، بفضلات الحيوانات المُصابة، ومن أمثلتها: التوكسوبلازما، والسالمونيلا …إلخ. وعن طريق اللمس، والجلد المجروح تنتقل أمراض منها: الجمرة الخبيثة، والحمى المتموجة، ومرض الكزّاز، …إلخ. وعن طريق الفم: مثل الأكياس المائية، والديدان الشريطية، والبروسيلا، والتسمم الغذائي. وعن طريق الأنف: مثل الجمرة الخبيثة، وإنفلونزا الطيور.

تقسيم الأمراض المُشتركة (الأمراض الحيوانية المنشأ)

لسهولة حصر وبسط هذا الأمر، توجد تصنيفات عدة للأمراض المشتركة. فمنها ما يُصنف حسب نوع الحيوان الناقل للمرض (الماشية، والحيوانات الأليفة، والطيور، …إلخ)، أو منتجات الحيوان (اللحم، واللبن، والجلد، …إلخ). أو حسب مُسبب المرض (بكتيريا، وفيروسات، وطفيليات، وفطريات، وسموم حيوية، …إلخ). أو طريقة انتقاله ودخوله جسم الإنسان (الغذاء، والماء، والهواء، والجلد، …إلخ).

فالأمراض المنقولة بواسطة الماشية والمجترات الصغيرة منها: البروسيللا، وحمي الوادي المتصدع، والدرن، وجنون البقر، والحمي القلاعية، والجمرة الخبيثة، …إلخ. ومن الأمراض المنقولة بواسطة الكلاب والقطط: السعار، والتوكسوبلازما، والليشمانيا، والدرن، والجرب، والقراع، …إلخ. وعن طريق الأبل يتم نقل أمراض منها: البروسيلا، وجدري الأبل، وحمي الكيو، والسالمونيلا، …إلخ.

أما تلك المنقولة عبر الطيور فمنها: طفيل الأسكاريس، وفطر البلاستوميكوزس، والكلاميديا، وبكتريا السل، والباستوريلا، والسالمونيلا، …إلخ. وتتنوع الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات، فالذباب المنزلي ينقل: التيفود، والكوليرا، والكبد الوبائي، والجديري، والرمد الصديدي والحبيبي. وتنقل ذبابة الرمل حمي ذبابة الرمل، والليشمانيات. في حين تسبب ذبابة تسي تسي مرض النوم، وتسبب ذبابة الدودة الحلزونية مرض التدويد، أو داء الذباب. وينقل البعوض الملاريا، وداء الفيل، والحمي الصفراء، وحمي الدنج. أما البراغيث فتنقل الطاعون، والتيفوس المتوطن.

وينقل القمل التيفوس الوبائي، والحمي الراجعة، وحمي الخنادق. ويسبب القراد مرض الحمي الراجعة. وتتسبب الأسماك المريضة في نقل أمراض منها: طفيل الهتروفيس هتروفس، والسالمونيلا، والكوليرا، والتسمم الغذائي، …إلخ. وتنقل الخنازير أمراضًا منها: الجمرة الخبيثة (الأنثراكس)، والأسكارس، والبروسيلا، والدوسنتاريا، والباستريلا، والقراع، والميكروب السبحي الخنازيري، ومرض الفم الخنازيري، ودودة التريكينيلا، وإنفلونزا الخنازير (H1N1)، …إلخ. أما تلك المنقولة بواسطة الفئران فمنها: الطاعون، والتريكينيلا، والتيفوس المتوطن، …إلخ.

إقرأ أيضاً:  ظاهرة السراب

مساحة إعلانية


من أهم الأمراض المشتركة الشائعة (الأمراض الحيوانية المنشأ)

لا يتسع المجال ولا المقام لوصف كل الأمراض المشتركة، لكن من أهمها وأكثرها انتشارًا:

البروسيللا Brucella (الأمراض الحيوانية المنشأ)

تُحدث أمراض الحمي المتقطعة أو المتموجة Undulant Fever، أو الحمي المالطية Malta Fever. ويعتبر من أكثر الأمراض البكتيرية المشتركة انتشارًا في العالم حسب تصنيف المنظمات العالمية (WHO, FAO, OIE) و ترجع أهمية هذا المرض إلى الخسائر الاقتصادية التي يسببها. وسببه بكتريا سالبة الجرام، وهي أربعة أنواع: بروسيلا مالطا (من الأغنام والماعز)، والبروسيلا المجهضة (الأبقار)، البروسيلا الخنزيرية (الخنزير)، والبروسيلا الكلبية (الكلاب). ويتعرض الإنسان للأنواع الأربعة، إذ ينتقل الميكروب إليه عن طريق شرب الحليب غير المبستر (أو منتجاته المُصنعة)، أو عن طريق تناول اللحوم النيئة (عادة تناول الكبدة وكبة اللحم النيئة لدى بعض الناس). أو ملامسة أيدٍ مجروحة للحيوانات المصابة (المُجهضة، وإفرازاتها)، وعبر التداخلات الجراحية، والعاملون بالمختبرات، والسلخانات.

وفترة الحضانة من أسبوع إلى عدة أشهر. وأعراضه في الإنسان: حمى متغيرة غير ثابتة، وتعرق غزير، وصداع، وفقدان للشهية، وانيميا، وآلام بالعضلات والفقرات القطنية، والتهاب الخصيتين.

داء الكَلَب (السعار) Rabies (الأمراض الحيوانية المنشأ)

ينتقل فيروس المرض من لعاب حيوان مصاب عبر عَضِّهِ لشخص ما. فينقل الفيروس إلى الأعصاب القريبة من العضّة، ومنها إلى الحبل الشوكي فالدماغ. ولا يزال داء الكَلَب يمثِّل مشكلة من مشكلات الصحة العمومية. كما أن انتقال الداء من الحيوانات البرية إلى الكلاب في بعض البلدان، يزيد مكافحة الداء تعقيدًا. وهذا المرض يصيب غالبـًا أهالي الأرياف النائية الذين لديهم استعداد كبير للإصابـة بهذا الداء، وأغلبهم من الفئـة العمرية 5 – 15 سنة.

السل البقري Bovine Tuberculosis (الأمراض الحيوانية المنشأ)

يعتبر السل البقري من الأمراض المزمنة والمهمة التي تؤثر سلبًا على الإنتاج الحيواني، حيث يسبب هذا المرض الضعف والهزال ونقص الإنتاجية، مؤديًا إلى خسائر اقتصادية كبيرة، فضلًا على تأثيره على صحة الإنسان باعتباره من الأمراض المشتركة والمهمة التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان وبالعكس. وتحصل العدوى للإنسان (السل/الدرن الرئوي) عن طريق شرب الحليب مباشرة من الحيوان دون غـليـه أو بسترته (سل الجهاز الهضمي، وخصوصًا في الأطفال).

أو استهلاك منتجات الألبان واللحوم الملوثة بهذه العصيات، أو عن طريق الجهاز التنفسي، وخصوصًا عند ملامسة الأبقار المصابة أو من الأشخاص المصابين بالمرض. وأشارت دراسة (عام 1990م) بالولايات المتحدة الأمريكية أن الخسائر الناجمة عن تلوث الأغذية بلغت 23 بليون دولارًا. ولقد أمكن توفير 300 مليون دولارًا سنوياً من تكلفة علاج السل الآدمي كنتيجة لخفض نسبة السل في الحيوان.

حمى المسالخ (الحمى المجهولة) Q-Fever (الأمراض الحيوانية المنشأ)

ظهر هذا المرض لأول مرة بين عمال المسالخ في أستراليا مسببًا حمى مجهولة المصدر، لذا سمي حمى المسالخ أو الحمى المجهولة. ثم اتضح أن العامل المسبب له ميكروبات من جنس الركتسية تسمى Coxiella burnetti تصيب جميع الحيوانات المزرعية، بما في ذلك حيوانات اللحم، كما تصيب العديد من المجترات البرية وهي مخزونة في الطبيعة في تلك الحيوانات، وتدور بينها بواسطة القُرَاد. غير أن العدوى في الإنسان تتم بالطرق المباشرة.

وغالبًا ما يتم اكتشاف العدوى في الحيوانات عند ظهور حالات الحمى المجهولة في الإنسان، حيث إن العدوى في الحيوانات غالبًا ما تكون صامتة، وإن كانت أحيانًا تسبب الإجهاض والتهاب الضرع في البقر والغنم. وتنتقل العدوى إلى الإنسان عن طريق شرب الحليب غير المبستر أو غير المغلي، وقد تنتقل عن طريق الاستنشاق، وأحيانًا عن طريق أكل اللحوم المصابة وغير المطهوة جيدًا (بما في ذلك لحوم الغنم والبقر والإبل والأرانب)، أو بسبب تلوث الجروح أثناء تقطيع اللحوم وتجهيزها وتعبئتها. وتشمل الأعراض في الإنسان: حمى ورعشة وصداعًا في مقدمة الرأس وآلامًا عضلية وعرقًا ودوارًا وأحيانًا التهابًا رئويًا. ومعظم الحالات يمكن علاجها والشفاء منها، لكنها أحيانًا تسبب مضاعفات مثل التهاب شغاف القلب والإجهاض وموت الأجنة.

التوكسوبلازما/داء المقوسات Toxoplasosis

مرض طفيلي يصيب القطط والكلاب والقوارض والأغنام. وينتقل الى الأنسان أما عن طريق تناول طعام ملوث بالطفيلي Toxoplasma gondii ، أو لمس حيوانات مصابة. ويصيب المرض الأنسان أما مباشرة فيكون مرضاً مكتسباً (يهاجم الطفيفلي الغدد اللفماوية، والطحال). أو يولد الطفل به حينما ينتقل إليه من الأم الحامل (المصابة) الى جنينها. وحينها يكون الطفيلي منتشراً بالجهاز العصبي المركزي، والقلب، والرئتين، والغدتين فوق الكليتين.

وإذا ما عاش الوليد فالطفيلي يبقى في الجهاز العصبي المركزي وشبكية العين. ويحتوي دماغ الطفل المصاب على أجزاء ميتة، وتشكيلات متكيسة. وكذلك مواقع متصلبة، ويصاب الحبل الشوكي. وحينما تُصاب أمرأة حامل في الأشهر الثلاث الأولى فأنها قد تكون مُعرضة للأجهاض الذي، ربما، يتكرر تبعاً لمستوى القدرة السمية للطفيلي. اشارت أحصائيات أمريكية إلي أن هناك ما يزيد عن 3.3 مليون طفل معاق بسبب تعرض الأمهات والأطفال لطفيل التوكسوبلازما عبر تعاملهم مع حيوانات مُصابة.

إقرأ أيضاً:  الأرض تحتضر...

مساحة إعلانية


الحمي الفحمية/ الجمرة الخبيثة/ الأنثراكسAnthrax

من الأمراض الخطيرة وعادة تنتقل العدوى للإنسان من الحيوانات الداجنة والمصابة ببوغات بكتريا الجمرة الخبيثة Bacillus Anthracis التي تستنشقها أو تدخل جوفها وتخرج بخروجها. ويتخذ المرض في الإنسان أشكالا ثلاثة: النوع الجلدي (الجمرة الخبيثة) وهو النوع السائد (95% من الحالات) ويشاهد بين الرعاة وعمال المسالخ وخلافهم.

وهناك النوع الرئوي (مرض جامعي القمامة أو مرض فرازي الصوف) وهو نادر وقاتل، يشاهد خصوصا بين فرازي الصوف وعمال المدابغ، وجامعي القمامة. أما النوع المعوي وهو الأكثر ندرة والأشد فتكا، وهذا النوع الأخير هو الذي يحدث نتيجة أكل لحوم الحيوانات المصابة. وتبدأ أعراض النوع المعوي لهذا المرض بعد يومين إلى خمسة أيام من تناول لحوم مصابة وتشمل الحمى والقيء والغثيان وآلام البطن المبرحة ويعقبها الموت خلال بضعة أيام.

وتبلغ نسبة الوفيات في النوع المعوي في الإنسان ما بين 95-100% رغم العلاج بالمضادات الحيوية، وتعزى إمراضية بكتريا الحمى الفحمية للسم الذي تفرزه تلك البكتريا، وهو سم بالغ الخطورة، يتكون من ثلاثة عناصر تعمل سويا. والحمى الفحمية من أهم الأمراض المشتركة والمعروفة منذ القدم، ولكنها عادت لتلقى مؤخرا اهتماما كبيرا بسبب هجوم جرثومي محدود بواسطة البريد الملوّث في الولايات المتحدة. ولقد عُدت نوعاً من أنواع الحروب البيولوجية.

الطاعون Plague

تسببه البكتريا المسماة .Yersinia pestis وقد عُرف منذ القدم (الطاعون الأسود) وتسبب في أوبئة كاسحة حصدت أرواح عشرات الملايين في القرون الوسطى وهو يصيب- بالإضافة إلى الإنسان- العديد من الحيوانات وخصوصا القوارض التي تخزنه في الطبيعة وينتقل منها بواسطة البراغيث. وفي الإنسان يتخذ المرض شكلين هما النوع الدّملي (bubonic plague) الذي ينتقل عن طريق البراغيث والنوع الرئوي (pneumonic plague) الذي ينتقل بالمخالطة المباشرة.

ولا زالت توجد بؤر لهذا المرض في كثير من أنحاء العالم تسبب أحيانا حالات الطاعون في الإنسان. ومن الحيوانات القابلة للعدوى ببكتريا الطاعون الإبل والمعز، وقد سجلت حالات عدة ولكن على فترات متباعدة من إصابات الطاعون في الإبل، كما انتقلت العدوى أحيانا إلى الإنسان عن طريق لحومها.

الكزاز/ التيتانوس Titanus

سببه بكتريا موجودة في أمعاء الأنسان والحيوانات الأليفة وفي التربة. وتكون الأصابة عادة بعد جروح تُهمل. وينتشر المرض بين المزارعين والفلاحين. ومن خصائص هذه البكتيريا أنه في حالة عدم توفر الظروف الملائمة لنموها تبقى في مرحلة البوغات (تبقى على قيد الحياة سنوات عدة في التربة) وبمجرد توفر الظروف المناسبة وهي الأنسجة قليلة التهوية أو الأوكسجين تتحرر العصيات من البوغات وتبقى في موضعها تفرز المادة السمية شديدة الأنجذاب الى الجهاز العصبي الحركي مسببة الكزاز. وسموم هذه البكتريا تتلف الخلايا العصبية وتسبب تصلب وتشنج العضلات. ويظهر المرض بعد يومين ـ عدة أسابيع من تلوث الجرح. وفي كثير من حالات الكزاز الولادي تحصل لحديثي الولادة فتقضي عليهم خلال أيام.

الليشمانياLeishmaniasis

مرض Leishmaniasis سببه طفيلي. وهو نوعان الأول يسمى (ليشمانيا دونوفاني) ويسبب ليشمانيا الأحشاء (الكلا ـ آزار أو الحمى السوداء). والثاني يسمى (ليشمانيا تروبيكا) ويسبب ليشمانيا الجلد. وتنتقل الليشمانيا عن طريق أنثى الذباب الرملي (الحرمس). وتتكتثر ليشمانيا الأحشاء في خلايا الدم البيضاء وفي بعض الخلايا المتخصصة في جسم الأنسان كالكبد والطحال فيتضخمان بشكل كبير. ويصيب الطفيلي النسيج اللمفاوي، ونخاع العظم، والغشاء المخاطي للأمعاء الدقيقة. بينما يصاحب المرض هبوط حاد بالجهاز المناعي وتلكؤ في هضم الطعام أما ليشمانيا الجلد فبعد لسعة الذبابة الحاملة يتضاعف الطفيلي في داخل الخلايا الجلدية التي تبدأ بالتآكل. وتأتي فاشيات المرض، عادةً، في أعقاب التزايُد المفاجئ والسريع في مستودعات الداء من القوارض.

حمى الأرانب/ التولارمية Tularemia

تسببها البكتريا المسماةFrancisella taulerensis والمخزونة في الأرانب البرية والأليفة والحيوانات القارضة والغزلان، وفي حوالي مائة نوع آخر من الحيوانات البرية، كما في بعض أنواع القراد والحلم والقمل والحشرات عموما. وغالبا ما تنتقل العدوى إلى الإنسان عن طريق القراد وبعض الحشرات كالبعوض وذبابة الغزال والذباب الأسود، ولكن العدوى أيضا كثيرا ما تنتقل انتقالا مباشرا من خلال الجروح الجلدية أثناء سلخ وتقطيع لحوم الأرانب وتجهيزها.

ويمكن التعرض للعدوى أحيانا نتيجة أكل لحوم الأرانب البرية أو لحوم الغزلان غير المطهوة جيدا أو عن طريق الاستنشاق. ويعتبر الإنسان “عائل نهاية المطاف” أو ما يسمى (dead-end host) لهذه البكتريا. وتختلف الأعراض في الإنسان حسب طريقة حدوث العدوى وغالبا ما يتخذ المرض الشكل الغدّي التقرحي (ulcero-glandular form) الذي يتمثل في نشوء قروح ودمامل وخراجات جلدية في موضع الإصابة، مصحوبة بالحمى والتهاب العقد الليمفية. من ناحية ثانية، فإن العدوى الفمّية الناتجة عن تناول لحوم الأرانب أو الغزلان المصابة تسبب التهاب الأمعاء بينما تسبب العدوى التنفسية التهاب الجهاز التنفسى.

إقرأ أيضاً:  رحلة الضوء عبر التاريخ

مساحة إعلانية


الأكياس المائية Hydatid cysts

داء العداريات hydatidosis (داء التكيُّس الديداني) من الأمراض الطفيلية التي تصيب الأنسان والكلاب والقطط . سببه بيوض الدودة المائية التي تطرحها الكلاب والقطط المصابة في المزارع والحقول. وحينما يتناول الأنسان أي من المنتوجات الزراعية وخصوصاً الخضروات الملوثة بهذه البيوض أو يشرب ماء ملوثاً بها فأنها تنتج جنيناً للدودة في الأمعاء الصغيرة ومنها الى الدم لتستقر في الكبد أوالرئتين أوالطحال أوالقلب أو الدماغ.

الدودة الوحيدة/ شريطية لحم البقر Beef Tapeworm

تسمى الشريطية العزلاء Taenia saginata، ويعيش طورها البالغ في أمعاء الإنسان والوسطي في لحم البقر. وهي موجودة في جميع أنحاء العالم. وغالبا ما توجد دودة واحدة فقط في أمعاء الإنسان، لذا سمّيت بالدودة الوحيدة، ولكن هذه الدودة الوحيدة تفرز أكثر من مليون بيضة يوميا في براز الشخص المصاب. وتحدث العدوى في الإنسان نتيجة ابتلاع الطور اليرقي (الدودة المثانية) المتواجد في لحوم البقر النيئة- كما في وجبة البرندو- أو غير المطهوة جيدا كما تنتشر بواسطة البسطرمة أحيانا. وتسبب الإصابة غالبا أعراضا مرضية طفيفة.

وهنالك أيضا دودة لحم الخنزير (الشريطية الوحيدةTaenia solium ) وهذه تستخدم الإنسان كعائل نهائي وأيضا تستخدم كلا من الخنزير والإنسان كعوائل وسطية، وبالتالي تسبب كلا من داء الشريطية، أي داء الطور البالغ، وداء الدودة المثانية- أي الطور اليرقي- في الإنسان، ومن ثم فهي أشد ضررا من شريطية لحم البقر.

مرض دودة القد Anisakias

يفضل كثير من الشعوب أكل الأسماك وغيرها من المأكولات البحرية نيئة. وهناك العديد من الوجبات اليابانية مثل، السوشي والساشيمي والرنجة الخضراء واللومي والبطارخ والسلطعون وغيرها، تنقل دودة القد وكثيرا من أنواع الطفيليات الأخرى إلى الإنسان. فالهولنديون مثلا يفضلون أكل أسماك الرنجة النيئة أو المخللة مما يساعد في حدوث الإصابة بالطفيليات التابعة لجنس Anisakis. ومن المعروف أن التبريد العادي والتدخين والتخليل كلها من الأمور التي لا تفيد كثيرا في القضاء على يرقات هذه الديدان. والشيء نفسه يقال بالنسبة لسمكة الأنشوقة (Anchovy) التي يفضلها أهل الإسكندرية مملحة، وكذلك الفسيخ الذي ينقل العدوى بدودة الفسيخ Heterophys heterophys والبسطرمة التي قد تنقل الدودة الشريطية وغيرها.

ديدان معوية أخري شائعة (الأمراض الحيوانية المنشأ)

هناك ما لا يقل عن عشرين نوعاً من هذه الديدان والتي تنتقل من الحيوان الى الأنسان عن طريق التربة الملوثة أو الأطعمة الملوثة ومن أشهرها: الأسكارس، ودودة الأنكلستوما، والدبوسية. وهذه الديدان تتكاثر بأعداد كبيرة في أمعاء الأنسان وبعضها يطرح مع فضلات المصاب ويمكن رؤيتها بالعين المجردة. وأحياناً لايمكن رؤيتها فيتم عمل تحليل مختبري بحثاً عن البيوض.

السالمونيلا Salmonelosis

مرض حاد ومعد يصيب الأغنام والأبقار والخيول والطيور والقوارض. وينتقل الى الأنسان بواسطة الأطعمة والأشربة الملوثة فتسبب ارتفاع الحرارة وفقدان الشهية ومغص معوي شديد واسهال حاد. ويمثِّل داء السلمونيلات salmonellosis أحد الأسباب الرئيسية للإسهال الوخيم، ولاسيَّما في الأطفال. وهنالك أنماط عاثـَوِيـَّة phage types مختلفة للسلمونيلة الملهبة للأمعاء Salmonella enteritidis والسلمونيلة التيفية الفأرية S. typhimurium المقاوِمة للأدوية المتعدِّدة، التي تتسبَّب في نسبة متزايدة من حالات داء السلمونيلات البشري.

عدوى Campylobacter jejuni

يوجد هذا الميكروب في الدواجن والبقر والغنم والمقدمات (primates) والطيور البرية وغيرها من الحيوانات، كما يوجد أحيانا في أمعاء الإنسان دون أن يسبب أعراضا واضحة، ولكن بعض العترات تسبب التسمم في الإنسان. وتحدث أغلب الإصابات بشكل فردي، وغالبا ما يكون مصدر العدوى لحم الدواجن واللحوم الأخرى غير المطهوة جيدا (وكذلك الحليب الملوث). وبالإضافة إلى النزلة المعوية، فقد تؤدي العدوى بهذا الميكروب في الإنسان أحيانا إلى التهاب الدماغ والجهاز التناسلي والمفاصل. ويمكن أيضا أن تمهد الإصابة بهذا الميكروب لمتلازمة جوليان بار (Guillian-Barr Syndrome) التي تسبب الشلل. غير أن هذه البكتريا عموما ضعيفة، ويمكن القضاء عليها بطبخ الطعام جيدا. ومرة أخرى فإن إصابة الإنسان بها تشتد في حالات ضعف الجهاز المناعي.

بكتيريا القولون البرازية النزفية E.COLI

عدوى غذائية من تناول أطعمة/ أشربة ملوثة. والبيئة الطبيعية للميكروب القناة الهضمية للأبقار والاغنام. ويحدث مغص واسهال دموي مع حمى . وقد ينتهي المرض بالفشل الكلوي.

إقرأ أيضاً:  نظرية النسبية ببساطة

مساحة إعلانية


عدوى ضمة فلنيفيكس Vibrio vulnificus

توجد هذه البكتريا في البيئات البحرية وتسبب التسمم في الإنسان نتيجة تناول المأكولات البحرية النية وغير المطهوة. وقد تؤدي الإصابة في الإنسان إلى الإنتان الدموي (septicemia) والموت، خصوصا إذا كان المريض مصابا في الوقت ذاته بالتهاب الكبد المزمن أو الأمراض الكابحة للمناعة.

التسمم الوشيقي Botulism

تعيش أبواغ البكتريا المسماة المطثية الوشيقية (Clostridium botulinum) في التربة وفي البيئات البحرية في كافة أنحاء العالم. ويمكن أن تتلوث الأغذية، كاللحوم والخضروات، بهذه الأبواغ خصوصا الأغذية المعلبة بطريقة غير سليمة وغير المعقمة جيدا والفاسدة عموما، وبصفة خاصة الأسماك الكاملة المدخنة والمجففة والمملحة، ولحوم الطيور المائية وأحيانا العسل. فعندما تتحول أبواغ هذه البكتريا إلى الطور الخضري في الغذاء الفاسد تفرز سما شديد التأثير على الجهاز العصبي يسبب الشلل.

ومن أهم مصادر التسمم الوشيقي في الإنسان لحوم الأسماك الكاملة المملحة كالفسيخ، والملوحة (وهي وجبة شعبية مصرية تشبه الفسيخ ولكنها تختلف في نوع السمكة وحجمها)، وكذلك الوجبة الشعبية الآسيوية المسماة كابشونكا (Kapchunka)، والتي تتكون من أسماك بيضاء كاملة مملحة ومدخنة ومجففة لعدة أسابيع في الهواء.

فيروس التهاب الكبد من نوع هـ Hepatitis E virus

يسبب هذا الفيروس التهابا كبديا ومعويا (enterohepatitis) في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية، وينتقل أساسا بواسطة المياه والأغذية الملوثة، ولكن الأجسام المضادة لهذا الفيروس وجدت في أمصال بعض الحيوانات الزراعية، مما يشير إلى احتمال بروز ذلك الفيروس كأحد الأمراض المشتركة المهمة المنقولة بواسطة إفرازات الحيوانات ولحومها.

فيروس إيبولا Ebola virus

مرض إيبولا مرض قاتل، وهو من أخطر أنواع الحمى النزيفية في الإنسان، وقد حدث وباء بهذا المرض في الجابون نتيجة أكل لحوم القرود.

حمى الوادي المتصدّع/ المتشقق/ المنشطر، حمى وادي الرفت Rift Valley Fever

من الأمراض الفيروسية المشتركة المهمة جدا. ينتقل بواسطة البعوض ويسبب وفيات عالية في الحملان حديثة الولادة وإجهاضا في النعاج والبقرات الحوامل. كما ينتقل إلى الإنسان مسببا إصابات عديدة، معظمها تشبه الإنفلونزا. ولكن نسبة من الإصابات تسبب حمى نزفية والتهابات ونزفا بالدماغ وشبكية العين.

وتبلغ نسبة الوفيات في الإنسان حوالي 2%. يوجد هذا المرض في معظم أنحاء أفريقيا، وقد ظهر مؤخرا بشكل وبائي في جنوب غرب المملكة العربية السعودية واليمن، مسببا بضع مئات من الوفيات بين الأشخاص المصابين. ورغم أن العدوى بفيروس حمى وادي الصدع تنتقل في معظم الأحوال إلى الإنسان بواسطة البعوض، إلا أنها قد تنتقل أيضا عن طريق ملامسة إفرازات الحيوانات المصابة ولحومها مما يجعل بعض الفئات، كالأطباء البيطريين والعاملين في المسالخ، أكثر عرضة للعدوى، علما بأن الفيروس ضعيف الحيوية خارج الجسم. وقد يساعد تبريد اللحوم لفترة كافية وطبخها في القضاء على الفيروس فيها.

مرض كروزفلد- جاكوب/ جنون البقر

يعتبر بعض الناس الوجبة المكونة من أمخاخ الغنم وعيونها من أرقى المأكولات. ويرى البعض أن هذه العادة الغذائية هي السبب في ارتفاع نسبة الإصابة بمرض كروزفلد جاكوب (وهو من أمراض البريون) في تلك الفئة من الناس. وتشتمل أمراض البريون Prion Diseases على مجموعة كبيرة من الاعتلالات الدماغية الإسفنجية المعدية (Transmissible Spongioform Encephalopathies)، والتي يعتقد أنها تنجم عن امتلاء خلايا المخ بأنواع محوّرة وضارة جدا من بروتين يسمى بريون.

وتتميز هذه الأمراض عموما بأن العامل المسبب لها قادر على استنساخ نفسه بشدة، وأنها الوحيدة بين كل الأمراض التي عرفت حتى الآن التي يمكن اعتبارها أمراضا معدية ووراثية في الوقت نفسه. وأخطر ما فيها أن العامل المسبب لا يمكن تدميره بواسطة الطهي أو غيره من المعاملات التي تقضي على معظم الميكروبات. ويمكن أن تنتقل أغلب أمراض البريون عن طريق الفم، وأهمها هو “اعتلال الدماغ الإسفنجي البقري” أو ما يسمى “جنون البقر” الذي ظهر لأول مرة في بريطانيا وتفشى هنالك بشكل منقطع النظير.

وانتقل منها بصورة محدودة إلى عدد من الدول الأخرى، وأثار رعبا شديدًا على نطاق العالم خصوصا بعدما سجلت وفيات عدّة في الإنسان يعتقد أنها حدثت نتيجة لأكل لحوم البقر المريضة، وهو ما يطلق عليه اسم “النوع المغاير الجديد لمرض كروزفلد جاكوب أو “النوع البشري لجنون البقر”. ومن المحتمل أن يكون العامل المسبب لجنون البقر- وبعد أن تحور- قد انتقل مرة ثانية من البقر إلى الغنم البريطانية مما يزيد المشكلة تعقيداً.

إنفلونزا الطيور Avian Influenza، والخنازير Swine Influenza

مرض وبائي “حديث نسبياً، وأثار ضجة عالمية مؤخراً” سريع الأنتشار يسبب الحمى والصداع، والتقيؤ والأسهال، ونزول سوائل الأنف مع أحتقان العينين. ينتقل الى الأنسان عن طريق المسالك التنفسية، واللمس، والأحتكاك بالطيور المصابة. والمرض فيروسي يندرج ضمن عائلة فيها العديد من الأنواع مثل H1N5 وهو فيروس إنفلونزا الطيور. والنوع الأخر من نفس العائلة وهو H1N1 فيروس إنفلونزا المكسيك (الخنازير).

إقرأ أيضاً:  نظرية التطور بين ميزان العقل والعلم

مساحة إعلانية


ما سبل الوقاية؟ (الأمراض الحيوانية المنشأ)

  1. تكثيف الوعي الصحي بهذه الأمراض المشتركة، وطبيعتها وطرائق انتقالها، وكيفية تجنبها.
  2. الأهتمام الكبير بالنظافة الشخصية والعامة. ومراعاة سلامة جلد الإنسان من الجروح والخدوش كي لا تتلوث عند ضرورة التعامل مع عوامل مسببة للمرض.
  3. الحذر من الملامسة المباشرة وغير المباشرة مع الحيوانات المريضة، ومنتجاتها.
  4. الإهتمام بصحة ونظافة وطهي المواد الغذائية، والمنتجات الحيوانية. وعدم تناول أطعمة/ أشربة من الباعة الجائلين.
  5. التعامل الوقائي السليم مع الكلاب الضالة والحد من انتشارها.
  6. التطعيم الدوري للحيوانات والطيورالداجنة، والحيوانات الأليفة. والإهتمام الكافي بصحتها ونظافتها. ومتابعة الأشراف الطبي الدوري عليها للتأكد من خلوها من مسببات الأمراض المشتركة.
  7. تكثيف الرقابة الصحية علي اللحوم والألبان ومنتجتهما والأسماك.
  8. اتخاذ إجراءات وقائية داخل المجازر. ووضع الماشية المستوردة في “الحجر الصحي” المُقرر والسليم. والفحص الطبي الشامل للتأكد من سلامة المنتجات الحيوانية المستوردة.
  9. مكافحة كل وسائط ونواقل هذه الأمراض المشتركة من الحشرات والقوارض الخ، بما لا يضر أو يهدد صحة البيئة.

وفي الختام

ينتشر في منطقتنا العربية عدداً من الأمراض الحيوانية المنشأ المتوطِّنة والوبائية، ولاسيَّما داء الكَلَب، وداء البروسيلات، وداء العداريات الكيسي، وداء الليشمانيات، والأمراض الحيوانية المنشأ المنقولة بالغذاء. وهنالك أمراض حيوانية المنشأ جديدة ومستجدَّة وأمراض أخرى ذات علاقة بها منقولة بالغذاء، تشكِّل خطراً على البشر والحيوانات. كما تؤدِّي إلى وقوع خسائر اقتصادية جسيمة. وهنالك حاجة كبيرة لتأكيد علي أن صحة الحيوان وصحة الإنسان متشابكتان. وأن قطاع الطب البيطري وقطاع الصحة العمومية يتشاطران هدفاً واحداً، ألا وهو حفظ صحة البشر وعافيتهم، وتعزيزهما، وتحسينهما.

أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري

 

إقرأ أيضاً:  كيف نتعلم، ونتذكر؟


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

العلاقة الزوجية (الجزء الثالث)

الخميس يونيو 24 , 2021
تمت قراءته: 3٬364 في الجزئين السابقين. تكلمت في الجزء الأول عن أسباب التفكك الأسري وكيف وأن ذلك التفكك يعود بالشر على المجتمع وذكرت بعضًا لهذه الأسباب وطرق علاجها من وجهة نظري. أثر العلاقة في تربية الأبناء. ثم في الجزء الثاني تكلمت عن سببين من أسباب حسن تكوين الأسر لصلاح ترابطها […]
أثر العلاقة في تربية الأبناء

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة