«الإيد الساندة على ربنا، أحسن من الإيد الساجدة»
جملةٌ تبدو أقرب للعفوية أو الجهل -وهذا ما سنحدده معًا-، تفوهت بها إحدى مصففات الشعر وأشعلت ضجةً واسعةً على مواقع التواصل الاجتماعي، غير آبهة لما قد تؤول إليه معنى جملتها هذه.
في كتابه: المغالطات المنطقية، يتحدث عادل مصطفى [1]المصادر: كتاب المغالطات المنطقية لعادل مصطفى وويكيبيديا. عن الأخطاء المنطقية التي يرتكبها الناس أثناء عرض وجهة نظرهم إزاء القضايا التي تضارع حياتهم، أو حتى قضايا السابقين، ومن أهم هذه المغالطات هي مغالطة رجل القش أو البهلوانية.
تعود تسمية المغالطة إلى العصور الوسطى، حيث كانوا يصنعون دُمًى على شكل رجال، محشوة بالقش؛ كي تمثل الخصم في مباريات المبارزة بالسيوف.
وهذا بالفعل ما يقوم به مستعمل هذه النظرية، من المفترض أن يقوم المبارز بمبارزة رجلٍ حقيقي مثله، لكنك تجده يذهب لقتال دمية قش لا دخل لها بالمعركة من الأساس، والاسم أنه يقتال.
وهناك أقوال أخرى ترجع تسمية المغالطة بهذا الاسم إلى رجال القش الذين يوضعون لإبعاد الطيور عن المحصول؛ كي يهيأ لهم أن هناك من يحرس هذا الزرع، لكن في الحقيقة هو حارس وهمي، مجرد جسد خاوٍ، أو بالأحرى خُشُبٌ مُسندة.
مساحة إعلانية
مقال آخر على ما به يقوم مستعمل هذه المغالطة، إذ أنه يشرع بالانحراف عن صلب الموضوع تمامًا، لتظن أنه يقدم حجةً صلبةً تدحض حجتك، لكن في الواقع ما هي إلا حجة هشة للغاية، وغالبًا ما يرد السؤال بسؤالٍ آخر.
مثال: – الإيد الساندة على ربنا أحسن من الإيد الساجدة
- ما رأيك في تخفيض أجور العاملين في القطاعات الحكومية؟
- وهل تود أن تذهب هذه النقود إلى المسؤولين الفاسدين في البلاد!
كما تلاحظون في العبارتين السابقتين الشخص الأول يتحدث على تخفيض أجور العاملين، وبدلًا من أن يكون الرد بنعم أو لا مع التعليل لكلا الإجابتين، وجدنا ردًا خارج الموضوع تمامًا، ومشحونًا بعاطفة متهورة غير مبررة، ليته ردًا، إنه سؤالٌ آخر!
كون الحكومة تخفض الأجور أو حتى ترفعها لا يعني إطلاقًا أن هذه النقود ستغذي بطون الفاسدين؛ الإشكالية ليست إلى أين تذهب النقود، بل ما أسباب الانخفاض أو حتى الارتفاع، وما تبعات هذا على الموظفين.
وهذا بالضبط ما فعلته مصففة الشعر تلك، إذ أنها مزجت بين مغالطة رجل القش وعدة مغالطات أخرى قد نتناولها لاحقًا، إذ أنها اعتبرت أن اليد الساجدة المتعبدة هي فقط تقوم بالعبادة، واختزلت أي شيءٍ آخر قد تفعله هذه اليد.
وكون هذه اليد ساجدة، لا يعني بالضرورة أنها تفعل هذا طوال الوقت، ولا يعني أنها قد تكون يدًا منافقةً مذنبة، وعوضًا عن إقحام هذه اليد في مقارنات سخيفة، من الأجدر لنا أن نطهر أعيننا من النظرة المجتمعية السيئة للشخص المتعبد، التي تتمثل في اعتباره متشددًا متطرفًا لا يصلح لشيء.
هذا علاوة على أن اليد الساجدة واليد المتوكلة على الله أو حسب تعبيرها: (الساندة على الله)، كلاهما في عبادة، وكلاهما يكمل بعض، ولا يمكن المقارنة بين أطرافٍ تكمل بعضها البعض.
هل تستطيعون الآن تحديد ما إن كانت الجملة الأولى عفويةً أو جهلًا؟
رحمة أحمد
(الإيد الساندة على ربنا أحسن من الإيد الساجدة)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
رحمة أحمد من مصر. طالبة ثانوية عامة، عضو في مشروع الربيع العربي الثقافي، كاتبة روائية لديها عدة قصص منشورة على منصة واتباد.
الملاحظات أو المصادر
↑1 | المصادر: كتاب المغالطات المنطقية لعادل مصطفى وويكيبيديا. |
---|