يعيش الإنسان متقلب الأحوال والمزاج متغيرًا بتغير معطياته، فتارة همته تعانق السماء، وأخرى يود لو أنه وري تحت الثرى. وهذا حق لا ريب فيه يعيشه كل إنسان على الرغم من أنه قد يظن أحدهم بأحدهم أنه امتلك من نعيم الدنيا ما يعيشه دون كدر لصفو هذه الحياة، وهذه نظرة أقل ما يُقال عنها أنها فارغة من خبرات الحياة. فلا يوجد على هذه البسيطة من امتلك كل شيء فالكل بلا استثناء إلى ربه فقير محتاج ولا ينعم قط إلا من أصلح الله باله ورزقه الرضا في السراء والضراء وعلم كيف يكون شاكرًا عند السراء صابرًا عند الضراء. (صلاح البال)
ولا يحقق ذلك إلا من آمن بالله حق الإيمان فكثير من يدعي الإيمان وقليل من هم للإيمان صادقين. ولذلك أثنى الله رب العالمين على عباده المؤمنين إذ قال ﷻ
(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ) [سورة محمد 2].
من أسباب الفوز بصلاح البال
وإن في صلاح البال لفضل عظيم لا يتفضل به الله إلا على عباده المؤمنين، ومن ثم بعد الإيمان اجتهدوا في عمل الصالحات.
صيام وصلاة وصدقات وحج وبر وإحسان وحسن جوار ومعاملات وأخلاق وأمر بمعروف ونهي عن منكر. مفاتيح خير مغاليق شر وكما قيل فأينما وُجدت المصلحة فثم شرع الله فالشرع تجده دائمًا فيما يُصلح البلاد والعباد والعزوف عن الشرع علمًا وعملًا لا يأتي إلا بالفساد والإفساد.
السعادة في صلاح البال
وصلاح البال الذي هو منة من الله على عباده المؤمنين يكون في استقامتهم وتصويب آرائهم وأن يملأ الرضا قلوبهم، فيشكرون في السراء والضراء، ويعبدون في السر والعلن، ولا يلتفتون لمن يمدحهم ولا من ينتقدهم، فهم يعلمون أن رضى الله هو الهدف فيرون السعادة فيما قدره ربهم، فلا يسخطون إذا مُنعوا ولا يهللون إذا ما أعطوا فالرضى مقدم عندهم قبل أي شيء.
فهذا يطلب المال وآخر يطلب الصحة وغيره يطلب الزوجة وغيرهم يطلب الولد وهذا يحتاج الإناث ومثله يحتاج الذكور والراضي من علم أن عوض الله لهم خير مما أرادوه.
فتراهم لا يفتر لسانهم عن ذكر الله ولا الدعاء يحسنون الظن بربهم وأيقنوا باستجابة دعائهم. إما أن ينالوا ما طلبوه أو يرفع الله عنهم أذى قد كتب عليهم، أو أن دعاؤهم مؤخر لهم في الآخرة.
فهم في جميع أحوالهم تغمرهم السعادة والرضى عن الله.
وتغبط هؤلاء القوم وتتمنى أن تتشبه بهم وإن لم تكن مثلهم. اللهم أصلح لنا بالنا وفرج همومنا ونفس كروبنا.
ومن لم يصلح الله بالهم
ولما كانت هناك مكافأة وثواب لأعمال أمر بها رب العباد عباده، فكذلك كان من الضروري عقاب لمن يخالف أمره واتخذ إلهه هواه وبعد كل البعد عن عبادة مولاه.
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ) [سورة طه 124].
فذكر الله هو العصمة من الشيطان وذكر الله يستجلب الخيرات ومعية رب البريات، ولما ضيق العبد على نفسه ضيق الله عليه وأصبحت معيشته ضنكا، بل ومثلما أعرض عن ذكر ربه ووضع على عينيه غشاوة لا يريد ولا يحب أن يرى مظهرًا يُعبد فيه الله ويزين له الشيطان الخبائث من طلاقة البصر والخوض في أعراض الناس واستحلال أموالهم وأعراضهم بغير حق والبعد عن الصلاة وأهل الصلاح بل الإنبطاح في أحضان الدنيا وزينتها وزخرفها. والبعد عن أوامر الله والقرب من نواهيه من أسباب ضنك الحياة.
والعاقل هو
من يتنعم في جنة الدنيا برضاه عن أقدار ربه جل في علاه ويرضى كل الرضى بعد الإيمان بالله وما نُزل على محمد ﷺ كي يُكفر الله عنه سيئاته ويصلح له باله. حينها ينعم الله على عباده بتكفير السيئات بل ويجزيهم بأحسن الذي كانوا يعملون، وذلك في قوله ﷻ
(وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنۡهُمۡ سَیِّـَٔاتِهِمۡ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَحۡسَنَ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ) [سورة العنكبوت 7].
وإن كانت في الدنيا جنة فلا أراها في غير رضى الله. نعم والله إن الجنة في رضا خالقها وليست في رضا العباد فمن حافظ على رضا الله رضي عنه وأرضى عنه الناس ومن سخط الله عليه أسخط عليه الناس.
وأخيرا أسأل الله أن يصلح بالنا وديننا ودنيانا، وأن يرزقني وإياكم حسن البصيرة والاستقامة والثبات على الحق إنه ولي ذلك ومولاه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد خيري بدر من مصر. تخرج من معهد دراسات تكميلية بدمياط وعُين معلم بمدرسة ثانوية صناعية، وتوجه بعدها للقراءة والكتابة الاجتماعية، ومن هواياته الرسم.