تَعرَّفْ على فن السِّيناريو الذي جعَل من مذاقِ الأفلام التي تشاهدها أبرع تشويقًا وأجزل توصيلًا للأفكار! فما هو تاريخ تطور السيناريو؟
اليك تطوّر بذرة السيناريو عبر التاريخ
● كان أوَّلَ عرضٍ سينمائي عبر التَّاريخ من طرف الأَخَوان “لوميير”، بتاريخ 28 ديسمبر 1885.
● في بداية الأمر، لم يكن سيناريو تلك الأفلام سوى مجموعة من الصُّور التي تهدف إلى إبراز واستعراض هذا الفن الجديد، كأفلامٍ وثائقية قصيرة، تُوَثِّق بعض المشاهد التي تُمَارَسُ في الحياة اليوميَّة، ومنها فلماً قصيراً يُجسِّدُ ”لحظة خروج العُمَّال من المصنع”، مع إعطاء عنوان مناسبٍ لاصطفافِ تلك الصُّور المتحرِّكة الصَّامتة. هكذا كان الأمر!
● كان الهدف من عنوان الفيلم، هو ”إشهار” العمل فقط، ولم يكن عاكساً لطبيعة العمل. على سبيل المِثال، الفيلم الذي قدَّمته شركة ”توماس إديسُون” عن مجموعةِ بناتٍ يتشاجرن بالوسائد، في مُدَّة قصيرة، بعنوان ”Pillow Fight”. يعني كان الأمرُ مختلفاً تماماً عن ما صافحت أعيُنَنا اليوم من تطوُّرٍ وحبكةٍ في هذا الفن.
بداية السيناريو الفعَّالة
● في بداية القرن العشرين، ظهر مبدع يدعى ”جورج ميليه”. هذا الأخير وضع حَجَرَ الأساس لفنِّ السِّيناريو، بحيث أضاف هذا الفنان، المؤثِّرات البصريَّة باستخدامِ (المُونتاج). بالإضافة إلى أنَّهُ كان أَوَّل من كتب السِّيناريو بِقالَبٍ يشابه الذي نعيشه اليوم ونتابعه في الأفلام المشهورة. بالضبط في فيلمه الذي يُعتبر من أوائل أعماله، بعنوان”رحلة إلى القمر” (A Trip to the Moon) عام 1902.
● طول الفِلم 12 دقيقة، ولكي يتحكَّم في عجينته، كتب جورج 30 سطراً، مفكِّكا مراحل تصوير فيلمه والمؤثِّرات البصرية التي سيستخدمها. عمل كبيير
● ثُمَّ في العام الذي يَلِيه مباشرة 1903، ظهر تطَوُّر آخر مُبهر للسِّينيما، على يدِ المخرج ”إدوين بورتر” في فيلمه “سرقة القطار الكبرى” (The Great Train Robbery). هنا أضاف بورتر عُمقا أكبر، بحيث أصبح لدى كل مخرج نَصّاً مكتوباً. ليس فقط سطرًا أو سطرَين لكُلِّ مَشهد، وإنَّما مع حساب عدد قِطَعِ المونتاج وتكوين المشهد وسير الحبكة.
● بعدها أصبح السِّيناريو مطلباً إقتصادياً، وازدَاد عدد الطَّلبات على الأفلام، فكان على الشَّركات المُنتِجة تقليل التّكاليف وذلك بتحديد عدد المشاهد المصورة وتقليل تكرار اللَّقطات. توجَّب على المُخرِجين التَّفصيل الدَّقيق في كتابة السِّيناريو وهو ما يُشبِه (الدِّيكوباج) الذي يستخدمه أهل الاختصاص حتى الآن.
● ثُمَّ، بروز نظام “الاستوديوهات”، وهو نظام هوليودي يتم فيه تصوير عددٍ كبيرٍ من الأفلام في نفس الوقت. ظهر في كل أستوديو عدد من كُتَّاب السِّيناريو، عملُهم الأهم هو كتابة تفاصيل العمل القادم وتقديمه إلى المخرج المسؤول عن الفيلم بالكامل. وهكذا استمرَّ التَّطوير في معطيات السِّيناريو السِّينمائي الصَّامت مع التَّطور الاقتصادي… تفاصيل مدقَّقة!
تاريخ تطور السيناريو: ظهور الأفلام الناطقة
● قفز السِّيناريو السِّينمائي قفزةً هائلةً مديدةً عام 1927، عندما ظهر ولأوَّل مرَّةٍ فيلم ناطق وهو فيلم “مُغنِّي الجاز” (The Jazz Singer).، فأصبحت المسؤولية حِملاً ثقيلاً على رقبةِ كُتَّاب السِّيناريو الذين وجدوا أنفسهم أمام جبلٍ من النُّصوص وكتابة الحوارات والمحادثات الثُّنائية وغيرها. على عكس ما كان لهم سابقاً، فقط كتابةُ الأحداث والحركات، وبالنِّسبة للحوارات كان يضيفها كُتَّاب السيناريو في السَّابق، وتظهر على هَيْئةِ لوحاتٍ داخل الفيلم لِتُعَبِّرَ عمّا لا تستطيع الصورة أن تقوله بالكامل. يالها من قفزة!
● ثم شيء مهم، برز نوع سينمائي جديد للغاية، وهي الأفلام الغنائية والموسيقية، فتحتَّم على كُتَّابِ السِّيناريو وكُتَّاب الأغاني أن يجتمعوا وتتكاتف جهودهم لصُنع سيناريوهات للأفلام، يتمُّ التَّعبير فيها ليس فقط عبر الصورة الصَّامتة والتَّمثيل ولكن عبر الكلمة المنطوقة والأغنيّة كذلك.
تاريخ تطور السيناريو: سينما المؤلِّف
● في نهاية الأربعينيات، بعد الحرب العالمية الثّانية، جاء آخِر تطوُّرٍ لسِينما السِّيناريو في أوروبا، ظهر ما يسمى ب”سينما المؤلِّف”، تُعَدُّ نظريّة سينمائية يشتغِل فيها المخرج كمسؤول أوَّل وأخير عن الفيلم. هي نظرية أدرجت فنَّ الفيلم في فنِّ الكتابة بالصُّورة، بحيث أن الفيلم تصوُّرِي كتابِي في يَدِ كاتبِ السِّيناريو بشكل كُلِّي. هنا اتَّضح فرق شاسع بين السِّيناريو الأمريكي والسِّيناريو الفرنسي من ناحية المفهوم الذي يقف فيه كلاً منهما.
تخيَّل لو أنك تُشاهد فيلماً حديثاً بشكل غير ناطق! يتِمُّ التعبير فيه عن الحوارات، بلافتاتٍ داخل المشاهد!
لازال التطوير في فَنِّ السِّيناريو مستمِرّاً…
عبد المالك عزاوي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
عبد المالك عزاوي من الجزائر، كاتب رواية ومقالات متنوعة، وأستاذ لغة فرنسية.