“زوليخة عدي”، إسمٌ مُؤنَّث، مِن أصولٍ عربيّة، من أخضرٍ وأحمرٍ وأبيضٍ جزائري، إسم خَطَّ لغةً مِن نور، في رسمةِ البطولة والكرامة، في بلد المليون ونِصف المليون شهيد، على مدار 130 عامًا، في فترة الإحتلال الفرنسي للأراضي الجزائرية.
” زوليخة عدي”، واحدة من المجاهدات الباسِلات، تَخلَّت عن العيش الرَّغيد والحياة الهادئة، والْتحقَت باصطِفاف رجال بلادها، من المجاهدين الأشدّاء البواسل، الذين حاربواْ الاستعمار الفرنسي الذي توسّط وطنهم، دافعوا بكلِّ ما أوتواْ من قوّةٍ وصلابة وجهد ووقت وبذلٍ للأرواح، عن قناعة وحَصَافة، هم رجال لم يستكينواْ لحظة ولم يستسلمواْ يومًا، فكانواْ رجالًا أُمناء، صدقوا الله.
عن مولدها ونشأتها – زوليخة عدي
ولدت «يمينة الشَّايب»، المعروفة “بزوليخة عدي” في مدينة شرشال الجزائرية، في شهر ماي من سنة 1911، كانت تنحدر من عائلة مناضلة رافضة للضَيم، اِحتوتها تلك العائلة الأبيّة الثّورية، فقذفت في روحها حكمة النِّضال، عاشت زوليخة طفولةً صعبةً عصيبة، في ظِلِّ المُمارسات الاستعمارية البائسة التي مارستها فرنسا على الجزائر، والتي نجم عنها فقر شديد وقهر وتسلُّط، ثمّ استبداد وعُبودية، وتفشٍّ للأمراض وانتشارًا تعيسًا للجهل.
شباب زوليخة وانضمامها لصفوف المجاهدين الأشاوس
الحياة القاسية تُثمِر دروسًا وتحصيلات، سبيلًا لاكتساب القوَّة والإبحار في غور الفِطنة والنّباهة، وهذا ما استحضره كل ذلك على طَلعَة زوليخة وبصيرتها وعقلها واندفاعها ووطنيّتها العالية، فأهّلها لتكون ضمن صفوف المجاهدين، فاكتسبت الثّقة العظيمة الضّافية وحياة الوطنية، نظرًا لامتلاكها الشّجاعة والفِطنة والذّكاء الحاد، حيث كانت عاملًا مؤثرًا ونقطةً إيجابيّة في صفوف المجاهدين الجزائريين. ساهمت زوليخة بفاعليّة مُحكمة في تشكيل خلايا ثورية عديدة، كما أنّها كانت فردًا مميّزًا في نشر الوعي الوطني بين المواطنين الجزائريين، ثُمَّ إفشال الكثير من المخطّطات الاستعمارية التي كانت تستهدف كَسْر روح الثّورة الجزائرية وعزلها عن الشّعب.
كانت زوليخة عدي دعمًا فريدًا، بحيث أنّها كانت توفِّر الدّعم اللوجستي الكافي، عن طريق جمع الأموال وتوفير الأدوية والمُؤَن. من جهةٍ أخرى، كانت تقوم بتوفير الدّعم المعنوي، من خلال بَثِّ التّوعية الوطنية وروح الصّبر والجهاد في قلوب كل الجزائريين الأحرار، في شرشال والمدن المجاورة. فقدت زوجها وابنها خلال الثّورة لكنّها لم تضْعف ولم تستكن، ولم تتخلّى عن قضيّتها الأولى، وهي الوقوف ضد الوجود الاستعماري وفرض شخصيّتها كجزائرية أصيلة.
مساحة إعلانية
اعتقالها واعدامها
قادت زوليخة عدي جيش الثّورة الجزائري بمدينة شرشال ضدّ المستعمر الفرنسي، ممّا جعلها هدفًا أوليًّا، فكانت على رأس قائمة المطلوبين لدى الإستعمار الفرنسي، حيث تَوالَت محاولات هذا الأخير في القبض عليها، إلاَّ أنَّ محاولاتهم كانت في كل مرة تنهار وتفشل أمام صلابتها وذكائها، إلى أن قام المستعمر بعملية تمشيط ضخمة، في أعالي جبال بوحرب وسيدي سليمان، فأُلْقِي القبض على زوليخة وأصبحت أسيرة في يد الاحتلال الفرنسي الغاشم، كان ذلك بتاريخ 15 أكتوبر من عام 1957.
تعرضت زوليخة عدي لأشدّ وأبشع أنواع التّعذيب لفترة طويلة، كان هدفهم استنطاقها من أجل التّحصل على معلومات حول باقي المجاهدين المتفرّقين، لكن هيهات أن يحدث ذلك في حين وجود صلابة شخصيّتها ووطنيّتها الأبية، فلم تَبُح بحرفٍ يُفيد تدبيرهم، بل دمّرت فيهم تخطيطهم وتصميمهم. قيّدها أحد الجنود الفرنسيين بسيارة وقاموا آخرون بجرّها وسط الشّوارع، أمام مرأى السّاكنة الجزائريين، من أجل تخويفهم ولتكون عبرة، لكنّها ظلّت تنادي في النّاس من أجل اعتناق الوطنية وهي ومجرورة وجروحها تواجه القسوة وتعانق صيحاتها زوايا الأحياء، تصيح في الجميع أن يتوجّهو نحو الجبل والتّمسك بالثّورة.
فقد المستعمرون الأمل في تراجع زوليخة واستنطاقها، فما كان منهم إلاَّ أن ألقَوا بها من طائرة هليكوبتير على عُلوٍّ شامخ، اِستشهدت البطلة الصّلبة زوليخة عدي وظلت جُثّتها مفقودة، لم يُعثر عليها إلى غاية عام 1984، حين صرّح أحد الفلاّحين المسنّين أنّه في عام 1957، عَثَرَ على جثمان سيّدة مهشّم، مرمية على جانب الطّريق فقام بدفنها. بعد ما حفرواْ في المكان الذي دُفِنت فيه، وجدواْ بالفعل عظامًا لسيّدة، وبقايا فستانها الذي أُعدِمت به، فتمَّ التّعرف عليها.
تخلَّد إسم زوليخة عدي في غَورِ الأصالة الجزائرية، تركت بصمة شرفيّة، وإسم ثوري، وقصّة ألمَعيّة مشرِّفة، تُعادُ على ألسنة الشّعب الجزائري والشّعوب العربيّة والأجنبيّة، لخَّصَت صورة من صُور جهاد المرأة الجزائرية واندماجها في بناء الحضارة والمواطنة، جنبًا إلى جنب مع رجال الثّورة، من أجل الوقوف ضِدَّ المستعمر الفرنسي، وضِدَّ أيّ دخيلٍ على أرضِ هذا الوطن الطّيب.
كان آخر ما تمتمت به زوليخة عدي كوصيّة لإخوانها المجاهدين هي عبارات تحفيزية ثورية، رسَّخها التّاريخ ورسَّختها عقول الرّجال الأشاوس، وبقي اسم زوليخة عدي ثورة في بلاد المليون ونصف مليون شهيد، ونقطة قوّة يهزّها العلم الوطني حين يُرفرف.
عبد المالك عزاوي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
عبد المالك عزاوي من الجزائر، كاتب رواية ومقالات متنوعة، وأستاذ لغة فرنسية.