قيام الليل بين الفرض والسنة

بسم الله الذي رفع السماء بغير عمدٍ، وخلق الارض في يومين سواءٌ لسائلين، بسم الله الذي فرض الصلاة والصيام على أمه خير الأنام، صلوا عليه أفضل الصلاة والسلام أمّا بعدُ:
إن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام الخمس، وهذه الصلاة متعددة الأنواع منها الفرض والسنه وهي:
(الصلوات الخمس بسننهم الاثني عشر، صلاة الضحى، صلاة القيام، صلاة الوتر،…… الخ)
ومن أهم الصلوات التي أوصى بها الإسلام وعلماؤه؛ هي صلاة القيام. (قيام الليل بين الفرض والسنة)

قيام الليل بين الفرض والسنة
Adobe Stock

دعوني اقص هذا عليكم أولاً – قيام الليل بين الفرض والسنة

ذات يومٍ وأنا اتلوا بعض آيات سورة المزمل إذ يقول تبارك وتعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم:
«يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا(٤)…… إلي اخر السورة الكريمة».

وعندما بدأت بتدبر تلك الآيات المباركة، بدأت أتساءل: هل قيام الليل فرض علينا؟ أم سنةً عن نبينا المصطفى؟ وإذا كان سنة فلماذا شدد الله عليه في كتابه الكريم؟ وأيضاً عندما استمع لمشايخي الكرام أراهم يشددون على أهمية قيام الليل ولو بركعة الوتر فقط؛ لما له فضل علي العبد وقربه من رحمة ربه تبارك وتعالى.

(قيام الليل بين الفرض والسنة)

إقرأ أيضاً:  القوة واللين

مساحة إعلانية


فهي بنا نتناول كل ما يخص قام الليل، ولنبدأ اولاً بتعريف قيام الليل:

قيام الليل

يعرف قيام الليل بأنه: قضاء معظم الليل أو جزء منه ولو ساعة في عبادة الله بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله. ويطلق القيام ويراد العبادة عموماً، وصلاة الليل خصوصا.

وأيضاً يعتبر قيام الليل دأب الصالحين، وتجارة المؤمنين، وعمل الفائزين، ففي الليل يخلو المؤمنون بربهم، ويتوجهون إلى خالقهم وبارئهم، فيشكون إليه أحوالهم، ويسألونه من فضله، فنفوسهم قائمة بين يدي خالقها، عاكفة على مناجاة بارئها، تتنسم من تلك النفحات، وتقتبس من أنوار تلك القربات، وترغب وتتضرع إلى عظيم العطايا والهبات.

وأيضاً كما ذكرنا سبق ذكر صلاة القيام في القرآن الكريم فصلاة القيام يجب ان تكون بعدد فردي.

قال تعالى بعد بسم الله الرحمن الرحيم:
«تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(١٦) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(١٧)». (سورة السجدة، الآيات 16-17).

قال ابن كثير في تفسيره:

«يعني بذلك قيام الليل ، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة . قال مجاهد والحسن في قوله تعالى: (تتجافى جنوبهم) يعني بذلك قيام الليل ».

وقال القرطبي:

«أي ترتفع وتنبوا عن مواضع الاضطجاع: وهو في موضع نصب على الحال؛ أي متجافية جنوبهم. والمضاجع جمع مضجع؛ وهي مواضع النوم. ويحتمل عن وقت الاضطجاع، ولكنه مجاز، والحقيقة أولى، ومنه قول عبد الله بن رواحة : “وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الصبح ساطع … يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع”».

وقال عبد الحق الأشبيلي:

«أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود».

وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين فقال عنهم: « كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)١٧) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُون(١٨)». (سورة الذاريات، الآيات 17-18).

قال القرطبي:

«قوله تعالى : كانوا قليلا من الليل ما يهجعون معنى يهجعون ينامون؛ والهجوع النوم ليلاً ، والتهجاع النومة الخفيفة».

قال أبو قيس بن الأسلت:

«قد حصت البيضة رأسي … فما أطعم نوما غير تهجاع».

وقال تعالى: «أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ(٩)». (سورة الزمر الآية 9).

أي: هل يستوي من كانت هذه صفته مع من نام ليله غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده.

لذلك قيل: «يا رجال الليل جدوا … ربّ داع لا يُرَدُ».

أمّا في السنة النبوية جاء فضل قيام الليل وأهميته في مواضع كثيرة لا حصر لها لذلك نكتفي بذكر الاتي:
قد حث النبي الكريم على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد».

وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: «نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل».

قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.

وقال النبي عليه الصلاة والسلام : «في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: «من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام».

وقال عليه الصلاة والسلام : «أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس».

وقال عليه الصلاة والسلام: «من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين»، والمقنطرين هم الذين لهم قنطار من الأجر.

وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه».

وقال ايضاً: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».

وقال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام».

(قيام الليل بين الفرض والسنة)

إقرأ أيضاً:  وباء كورونا بموجاته الأربع

مساحة إعلانية


إذا إلى أي فئة يصنف قيام الليل؟ هل هو فرض؟ أم سنة؟

اختلف العلماء في ذلك ولكن الأغلبية منهم اتفقوا علي أن قيام الليل سنة مؤكده، فقد جاء في الموسوعة الفقهية:
“اختلف العلماء في قيام الليل، هل كان فرضا عليه صلوات الله وسلامه عليه أو لم يكن فرضا، مع اتفاقهم على عدم فرضيته على الأمة، فذهب عبد الله بن عباس إلى أن رسول الله “صل الله عليه وسلم” قد اختص بافتراض قيام الليل عليه، وتابع ابن عباس على ذلك كثير من أهل العلم، منهم الشافعي في أحد قوليه، وكثير من المالكية، ورجحه الطبري في تفسيره واستُدل على ذلك بقوله تعالى في سورة الإسراء:
«ومن الليل فتهجد به نافلة لك»: أي نفلا لك، أي فضلا، زيادة عن فرائضك التي فرضتها الله عليك، كما يدل على ذلك قوله تعالى:
« قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه».

قال الطبري: ” خيره الله تعالى ، حين فرض عليه قيام الليل ، بين هذه المنازل “.
ويعضد هذا ويؤيده : ما رواه الطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي في سننه عن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث هن علي فرائض ولكم سنة؛ الوتر ، والسواك ، وقيام الليل).

وذهب مجاهد بن جبر : إلى أن قيام الليل ليس بفرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بل هو نافلة، وإنما قال الله تعالى: نافلة لك من أجل أنه صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فما عمل من عمل ، سوى المكتوبة : فهو نافلة؛ لأنه لا يعمل ذلك في كفارة الذنوب، فهي نافلة، وزيادة، والناس يعملون ما سوى المكتوبة لتكفير ذنوبهم فليس للناس– في الحقيقة – نوافل، وتبع مجاهدا جماعة من العلماء، منهم الشافعي في قوله الآخر، فقد نص على أن وجوب قيام الليل قد نسخ في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما نسخ في حق غيره.

واستدلوا على ذلك بعموم قوله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات فرضهن الله على العباد ، خاصة أن الآية محتملة، والحديث الذي استدل به من قال بفرضية قيام الليل على رسول الله صلى الله عليه وسلم : حديث ضعيف” [1]“الموسوعة الفقهية الكويتية”

وقد سئل الشيخ ابن جبرين رحمه الله: “هل قيام الليل واجب في حق النبي- صلى الله عليه وسلم- ومستحب في حق أمته؟”

فأجاب:

“الصحيح أنه سُنَّة ونافلة في حق النبي- صلى الله عليه وسلم- وفي حق أمته، والدليل قوله تعالى: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ والأصل: أن النافلة هي الزائد عن الفرض من التطوع ونحوه، وقد فهم بعضهم أن معنى نافلة لك يعني من خصائصك، وظنوا أنه واجب في حق النبي- صلى الله عليه وسلم- والصحيح أنه سُنَّة، ولأجل ذلك كان يتركه إذا سافر ولا يُحافظ في سفره إلا على الوتر وسُنَّة الفجر، والدليل على السُنَّية: صلاته للتهجد على الراحلة؛ فإن الواجبات لا تُصلى على الراحلة، ومن الدليل أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يترك قيام الليل أحيانًا لمرض أو تعب أو سهر ثم يقضيه من الضحى”.

ومن ذكر ذلك ندرك أن قيام الليل سنة مؤكده عن الحبيب المصطفى أمّا استخدام قم في الآية « قم الليل إلا قليلا»: ما هو إلا تأكيد لفضل وأهمية قيام الليل لما له من سكينة تُنزل علي قلب ذلك العابد المقيم لليل فقد ذكرت عائشة زوج النبي (صل الله علية وسلم)«أنه كان يقوم الليل حتي تتورم قدماه شكرا لله علي نعمه وفضله عليه وذلك في قوله ألا أكون عبدا شكورا ي عائشة».

فيغافل عن قيام الليل: قم واسأل الجبار عن حاجتك، إسألهُ أن يرزقك الهداية حتى تُرزق الفلاح في دنيتك واخرتك، ويا متاجراً قم فاسأل ربك أن يريحك، وهل يستغني أحدٌ عن الله! من يستغن يستغن الله عنه، والله الغني ونحن الفقراءُ إليه.

بقلم: سارة عبدالله – أناندا
كاتبة وشاعرة ومنشدة

(قيام الليل بين الفرض والسنة)

إقرأ أيضاً:  في خضمّ التّطور!


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


الملاحظات أو المصادر

الملاحظات أو المصادر
1 “الموسوعة الفقهية الكويتية”
⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

لماذا الكافر لا يعاني مثل المسلم؟

الأثنين يوليو 18 , 2022
تمت قراءته: 1٬259 الكثير من الشباب يسأل هذا السؤال ويقولون لماذا الكفار يتنعمون والمسلمون يتألمون؟ ومن كلام العامة اليوم أن النصارى واليهود والوثنيين. متفوقون علينا في المعاملة ونحن هنا نحسد بعضنا البعض؟ (لماذا الكافر لا يعاني مثل المسلم؟) جوابهم نعم هذه حقيقة لكن ليس كل المسلمين فيهم هذه الصفات كما […]
لماذا الكافر لا يعاني مثل المسلم؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة