العاطفة تتحكم

من المؤكد أن العالم كله في هذه الأيام يعيش أيامًا مغايرة عما مضى. منهم من يدعي أنه مخاضا لتغيرات ستحدث يومًا ما ومنهم من قال بوقوع تلك التغيرات بالفعل. وكثير من الأحداث المتلاحقة هنا وهناك في الشرق والغرب.
والذي أصبح مشَاهدا رأي العين هو أن كثيرًا من الخلق كان لا تشغله الدنيا بأسرها طالما يعيش مرتاح البال. ولكن أصبح غالب الناس اليوم يتكلم في أمور عظيمة. ربما كان لا يتكلم فيها من ذي قبل إلا من يشار إليهم بالبنان. ربما هذا مصداقًا لقول رسولنا عن هؤلاء الرويبضة وربما تكون الأيام حبلى بما هو أشق علينا من ذلك. العاطفة تتحكم

العاطفة تتحكم
The Yoga Space

العقل مغيب والعاطفة تتحكم – العاطفة تتحكم

وهذا ما يظهر جليًا بين مؤيد ومعارض. مهما كانت جهة التأييد أو جهة المعارضة. فالظاهر الآن هو وجود أناس لا يشعرون ولا يدرون عن أي شيء أو أي إنصاف. بل غاب عنهم كل الإنصاف وما ذلك إلا لغياب العقول والسيطرة على عواطفهم.

فكل فريق في فريقه مؤيد تأييدًا تامًا لما ينتمي له. لا يرى عندهم تقصيرًا أبدًا بل ويشعر دائمًا بالمؤامرات والحروب والتحالفات التي حوله تقام لمحاربة ما ينتمي له. وذلك شغل العاطفة في حين أن الفريق الآخر له يشعر بنفس الأحاسيس والمشاعر وكل منهم يظن أنه حاله الصواب وغيره هو المخطئ.

وتغييب العقول واللعب على العواطف لا تكون إلا لمن كان يشبه هذا الذي كان يقول في قومه ما أريكم إلا ما أرى فانظر بعد آلاف السنين كيف جعله الله عبرة لأولي الألباب.

فهذه رسالة لكل مؤيد ومعارض في أي قضية أن تحترم ما أنعم عليك به رب البرية وهو العقل وعلى درجة احترامك لهذه النعمة على قدرة تبصرتك بالأمور وانصافك في رأيك.

وهنا إشارة للتحرر من عبودية الفكر إلى النعمة العظيمة التي أسس لها إسلامنا وهي الحرية ولا تكون العبودية إلا لواحد وهو الله
فذلك التغييب لهذا العقل وهذا التحكم لتلك العاطفة تجنبك كثيرًا من الصواب وتبعدك بعيدًا عن الإنصاف ولا أكلم هنا أصحاب العواطف ولكني اكتب كلمات تزيد من أصحاب العقول ثبات وربما ينفع بها ربي من تغلبت عواطفهم على عقولهم.

إقرأ أيضاً:  فصحاء اللسان

رسولنا يدعو للحرية والشورى – العاطفة تتحكم

ولك أن تتخيل عظم الأمر لذلك خاطب به الرب هذا الرسول الذي كان على خلق عظيم وقال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [سورة آل عمران 159]

فأمر ربنا ﷻ رسولنا ﷺ بتحرير تلك العقول ومشاورتها في الأمر بالرغم من الوحي الذي يتنزل عليه وإنما مشورة فيما لا وحي فيه.

كما جاء لما تجمع أصحاب الأحزاب لقتال المسلمين بالمدينة، جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه يستشيرهم في كيفية الدفاع عن المدينة وصد الأعداء، فأشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق، حيث قال: يا رسول الله: إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فوافق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام على هذه الخطة الحكيمة التي لم تكن معروفة لدى العرب، فكانت مع الله وبحمد الله تعالى من أسباب صد الأحزاب وفشلهم. والله أعلم.

والثانية

فقد ورد في سيرة ابن هشام (أنه عليه السلام حين نزل عند أدنى ماء من بدر لم يرض الحباب بن المنذر بهذا المنزل. وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل؟ أمنزلًا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه، ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ قال: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. فقال: يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم، فننزله، ثم نغور ما وراءه من القلب، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أشرت بالرأي. فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس). [1]إسلام ويب

وكذلك تأبيب النخل وغيرها فكان ﷺ يفرق بين ما جاء به وحي وما هو يتحمل الشورى وكانت صحابته في غاية الأدب إذ أنهم لا يتكلمون ولا يشورون إلا بعدما يتأكدوا أنه ليس بوحي. حيث أن الأمر إذا كان وحي فلا رأي ولا شورى وهذا لا عاطفة ولا عقل وإنما الحال يكون سمعنا وأطعنا.

وما هو لافت للنظر – العاطفة تتحكم

هو أن أمثال هؤلاء القوم الذين اجتهدوا مع غيرهم في تغييب عقولهم والتحكم في مشاعرهم وعواطفهم. تجد أكثرهم يريد إعمال عقله مع قول الله ﷻ وقول رسوله ﷺ في حين أنهم يغيبوا تلك العقول في آراء البشر مِن مَن يحبون لأنهم لا ميزان لهم في الدنيا إلا العواطف. وأمثال هؤلاء يحتاجون لمجهودات كبيرة حتى تحرر لهم عقولهم من أقوال البشر. فمن أجاد يشيدوا به ومن أخفق ينصحوه فهذا دأب المنصفون أن يكونوا مع الحق لا مع الرجال. وكما قيل فالرجال يُعرفون بالحق ولا يعرف الحق بالرجال. حتى ولئن أردت اتباع أحدهم كما يقول البعض فذلك من الخطأ بمكان. فنحن نتبع الرجل لاتباعه الحق فإن غاب عنه الحق أو ابتعد هو عنه فلا اتباع له وإنما يكون له النصح والهداية.

وترى كثيرًا من من انزلقت أقدامهم في وحل التبعية تجده يتبع الرجل ولا يتبع الحق علمًا منه بقول الحبيب كل ابن آدم خطاء
فلك أن تتبع الرجل على صوابه ولكن كيف لك أن تتبعه على خطئه.

ليست دعوة للسباحة ضد التيار

فكلامي هذا لا تفهم منه أن تسبح ضد التيار ولا أن تخالف الرجال حتى تكون رجلًا. وإنما دعوة من القلب لتكون متبع للحق الذي ربما يكون مع عدوك فاتباعك للحق ليس اتباعا لعدوك.

وألا تتبع الرجل لو كان على الباطل حتى لو كان حبيبك وتركك لباطله لا يعني خسرانك له. حتى لو كان ذلك الرجل أباك.

(وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ۖ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ۚ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة لقمان 15]

فلا تطعه في باطله وصاحبه فيما دون ذلك.

فاعتبروها وقفات

فهي وقفات تبني لك شخصية تبني بها شخصية أولادك فكثير من الناس في زماننا هذا يتبع غيره على أي حال حتى أنه يوالي ويعادي من أجله لا من أجل الحق. فترى هذا يتبع فنانًا وآخر يتبع لاعبًا وغيره يتبع شيخًا وآخر يتبع رئيسًا وهذا يتبع جماعة وآخر يتبع حزبًا. وكلها طاعات عمياء طاعة لا نقاش ولا شورى فيها طاعة (السمع والطاعة). وهي هي تلك العقول التي تعترض على كلام الله وكلام رسول الله لأنها عقولٌ لا تفقه ولا تميز.

فحرروا عقولكم تفلحوا. حرروا عقولكم تُنصفوا. حرروا عقولكم تبدعوا في عطائكم. فاعتبروها دعوة لتحرير العقول وتغلبها على العواطف في بعض الأمور.

كتبه
محمد خيري بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر

 

إقرأ أيضاً:  توزيع الرحمات على أهواء البهوات


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


الملاحظات أو المصادر

الملاحظات أو المصادر
1 إسلام ويب
⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

حكايات طريق (الجزء الثالث والأخير)

الخميس يوليو 15 , 2021
تمت قراءته: 1٬744 وفى مسار الحياة نواجه من حكايا الطريق مختلف الآلام والضحكات نستكملها اليوم فى حكي مزيد من الرفقاء. حكايات طريق (الجزء الثالث والأخير) الحكاية التاسعة: حب العمر صوت بكائها يصل حد السماء، لم يستطع أحد إزاحة بصره عن عينيها المليئتين حزناً وقهراً فى آن واحد دون أن يجرؤ […]
حكايات طريق (الجزء الثالث والأخير)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة