إن الاستحياء من نشر سُننِ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – جُرمٌ ليس بهين من وجهة نظري؛ لأن أهل الباطل الآن باتوا وأصبحوا يرتعون في غيهم، وشقاوتهم، ونشرهم للضلال، وما يُلبِسُ على الناس معايشهم، وعبادتهم، وليس هذا وحسب، بل وأصبح الجهر بالغَيِّ والشر سجية وديدن! (الاستحياء من نشر السنن)
فأعتقدُ أنه أصبح من اللازم والواجب على أهل الحق أن يجهروا بنشر السُنن وإشاعتها بينهم؛ فهذا كفيل – إن شاء الله – بإذابةِ تلك الموبقات وإراقتها في الأرض ..!
فعلى قارئ القرآن أن يجهر بقراءته في كل مكان لا يستحي من ذلك!
وعلى مُعلم الحديث والسنة أن يجهر بتعليم أحاديث رسول الله في كل مكان ولا يستحيي!
وعلى المؤذن أن يؤذن ويرفع صوته ويُجَمِّلَهُ في كل مكان ولا يستحيي!
وعلى العالم أن يصدح بنشر العلم والفقه بين أوساط الناس لئلا يبقا فيهم جاهل بالله تعالى وبشرعه ولا يستحي!
وعلى الأب أن يُتابع أولاده بنشر الفضائل والأخلاق الحميدة والرجولة القويمة في أولاده ولا يستحي!
وعلى الأم أن تُوالي بناتها بالتربية الصحيحة التي تتبع فيها نهج الأمهات العظيمات في ما خلا من القرون الأولى ولا تستحي!
وعلى المعلم والمدرس أن يعلم طلابه كيف يكونون حُماةً لدين الله وكيف يواجهون أهل الشرور ولا يستحي!
وقد صدق أديب الدعوة الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – في قوله حين قال: “الإسلام قضية رابحة، لكن محاميها ضعيف”!
ضعيفٌ لأنه يعلم تمام العلمِ أن القضية التي بين يديه هي قضيةٌ رابحة لا محالة ولا شك في ذلك، لكنه – مع الأسف – تواني وقصر ولم يبذُل وسع جهده في إنجاحها وجعلها هي الظاهرة على باقي القضايا!
هذا ولا يقف الأمر على مجرد الحياء من نشر السنن في وجه أهل الضلال فحسب؛ بل نحن مأمورون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلا، بل هذا ما جعل لهذه الأمة الخيرية على سائر الأمم من قبلها!
قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدىً كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ، كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئاً». أخرجه مسلم.
وقد قَسَّمَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – الناس أصنافًا وأنواعًا عندما يُعرضُ عليهم العلم والهدى، فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الهُدَى وَالعِلْمِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَصَابَ أَرْضاً، فَكَانَتْ مِنْهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ، قَبِلَتِ المَاءَ فَأَنْبَتَتِ الكَلأَ وَالعُشْبَ الكَثِيرَ، وَكَانَ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ المَاءَ، فَنَفَعَ اللهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنْهَا وَسَقَوْا وَرَعَوْا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنْهَا أُخْرَى، إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لاَ تُمْسِكُ مَاءً وَلاَ تُنْبِتُ كَلأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَنْ فَقُهَ فِي دِينِ الله، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللهُ بِهِ، فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَنْ لَمْ يَرْفَعْ بِذَلِكَ رَأْساً، وَلَمْ يَقْبَلْ هُدَى الله الَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ». متفق عليه.
هذا وتلك هي أفضل المُهمات على الإطلاق، وهذا أحسن الكلام على الإطلاق، قال الله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فُصِّلَت: 33].
فلا يحاولنَّ أهل الضلال أن يُثنونا عن هذا الهدف العظيم، هذا الهدف الذي نحن مخلوقون له في الأصل!
فلا نستحي!
والحمد لله رب العالمين
أحمد فتح الله الشيخ
ليسانس أصول الدين من جامعة الأزهر
الاستحياء من نشر السنن
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
أحمد فتح الله الشيخ من مصر. تخرج من كلية أصول الدين والدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر، اتجه لكتابة المقالات منذ 3 أعوام، وصدر له كتابين (النفحات الأزهرية، وشخصية المسلم)، يهوى المقالات الإسلامية والفكرية، ويهوى كتابة الخواطر، ويحب القراءة والتأليف.