مدخل لفهم الثقافة والتقدم

المقدمة – مدخل لفهم الثقافة والتقدم

بسم الله المنان مُنزل على عبده القرآن .. و الصلاة و السلام على نبي الرحمة و الهدى …
في هذا المقال نرتحل كثيرا بين واقعنا المعاصر لنبصر و نستبطن…
دع عنك النظريات و التحليلات و أراء العلماء و الباحثين و المتخصصين و الدارسين و المفكرين ..، لننظر معاً في واقع نعيشه ..
لا شك في أن الثقافة لها مقومات و أعمدة ترتكز عليها، و أسس تؤسس لها ، وبشارات تنذر و إشارات تمهد ، والثقافة في الأصل هي ناتج المخزون المعرفي الذي يُترجم من خلال فاعليات و أفعال كل أمة أو جماعة ، ومن أفعال الأمم تظهر الثقافة و تستبين، و عُمر الثقافة مرهون بالمخزون المعرفي فكلما زادت المعرفة يتيسر للأمم التقدم ولا شك في أن هذا المخزون المعرفي يحتاج من كل حين لآخر إلى التجدد ، كما أنه في حاجة دائمة إلى التزود .. (مدخل لفهم الثقافة والتقدم)

مدخل لفهم الثقافة والتقدم
آراجيك

ومما أسلفنا- أن للثقافة أعمدة و أسس – ، و أن الثقافة هي المخزون المعرفي.. فيجب أن نعرف مقومات تلك الثقافة لكي يُمكن لنا إدارة مسألة التقدم من إدارة مقوماتها!

ولا ريب في أن من هنا يتشكل وجدان الأمة الذي يحملها على العمل و يهيمن عليه ..
و من هنا يكون لكل أمة و لكل فرد فكر خاص .. ناتج عن المعرفة المخزونه بالعقل – الفردي أو الجماعي – ..

ويمكن أن نحصر مقومات الثقافة في زوجٍ من خصائص أو أركان:

ركن مادي: يترجم ذلك في أفعال المجتمع الناتجة في الأساس من فكره و مخزونه الثقافي ،
باعتبار أن هناك رجل يريد بناء منزلاً ، فجاء مهندس يصمم له هيكل المنزل و بعد ذلك ، تم تنفيذ المنزل على أرض الواقع .
في المثال السابق .. تم تنفيذ المنزل على أرض الواقع و هو الركن المادي ، ولكن في الأساس هذا المنزل (الركن المادي) ترجمة حية لفكر المهندس! وكذلك الأمر..

ركن معنوي(فكري): وهو مخزون الفكر و المعرفة (الذي يحمله المهندس – كما في المثال السابق – في عقله ) وهو أساس و لُب الثقافة، وهو ما نتناوله في هذا المقال.

و هذا الركن- الركن الفكري- له مقومات و مكونات :
تتجسد في الفن و اللغة و الدين و العلم و الإعلام- الحديث(السوشيل ميديا )و التقليدي(الأخبار التلفازية و الجرائد و الصحف الورقية )- .. ومن نتاج -على قدر – احتكاك الإنسان -العاقل- بهذه المكونات و المقومات يتكون لديه مخزون معرفي ثقافي فعال بقدر تفاعله و ترجمة هذا على أرض الواقع.

إقرأ أيضاً:  الحرب الروسية على أوكرانيا - "الغرب يتفرج"

مساحة إعلانية


البداية – مدخل لفهم الثقافة والتقدم

لندرس الثقافة تفصيلا ،يجب أن نفصل و نفرد لكل عامل باب ندرسه و نفصله:

أولاً : الدين

الأديان: جمع دين، والدين في اللغة بمعنى: الطاعة والانقياد.والدين في الاصطلاح العام: ما يعتنقه الإنسان ويعتقده ويدين به من أمور الغيب والشهادة . ( الدرر السنية- المبحث الأول: تعريف الأديان لغة واصطلاحا:)
أي طاعة و أي انقياد نراه اليوم لدين الله و أوامره !
فصاحب البصيرة يرى أينما ولى وجهه التفلت والانحلال الاجتماعي الأخلاقي الذي هيمن وسيطر على المجتمع!
ترى الفسوق و العصيان و ارتكاب الذنوب علانية ،و تمييع المفاهيم، نلهث خلف الثقافات الغربية نأخذ مخلفاتهم و بواقي ما يذرون لنا ؟!
ولهذا المجال أستاذه هم أولى بالحديث عنه … .

ثانيا: اللغة

واللغة العربية الفصحى الآن تعاني أشد معاناة … ومن المعروف أن اللغة العربية الفصحى هي المدخل الوحيد للتراث العربي و الإسلامي!

أهمية اللغة تنبع من أهمية واحتياجنا الدائم للتراث ، ولقراءة الماضي التي ينبع عنها تعلم و فهم يساعد في مواكبة و مجاراة الواقع -الحاضر- دون السقوط في نفس العثرات ،ومنها يستقرئ النابغ المستقبل ويعد له ما استطاع.

” في ظل القرآن الكريم أصبحت اللغة العربية لغة عالمية، واللغة الأم لبلاد كثيرة. إن أهمية اللغة العربية تنبع من نواحٍ عدّة؛ أهمها: ارتباطها الوثيق بالدين الإسلامي و القرآن الكريم، فقد اصطفى الله هذه اللغة من بين لغات العالم لتكون لغة كتابه العظيم و لتنزل بها الرسالة الخاتمة {إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون}، و من هذا المنطلق ندرك عميق الصلة بين العربية و الإسلام، كما نجد تلك العلاقة على لسان العديد من العلماء ومنهم ابن تيمية حين قال: ” معلوم أن تعلم العربية و تعليم العربية فرضٌ على الكفاية “.

وقال أيضا ” إن اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب و السنة فرضٌ، و لا يفهم إلا باللغة العربية، ومالا يتم الواجب إلا به، فهو واجب “، ويقو الإمام الشافعي في معرض حديثه عن الابتداع في الدين ” ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب “، وقال الحسن البصري – رحمه الله- في المبتدعة ” أهلكتهم العجمة “.
كما تتجلى أهمية العربية في أنها المفتاح إلى الثقافة الإسلامية و العربية، ذلك أنها تتيح لمتعلمها الاطلاع على كم حضاري و فكري لأمّة تربّعت على عرش الدنيا عدّة قرون وخلفت إرثاً حضارياً ضخما في مختلف الفنون و شتى العلوم. (العربية للجميع – أهمية اللغة العربية )

فنحن في حاجة بالغة لتعلم اللغة العربية الفصحى و استخدامها و تعزيز هُويتنا بها بدلا من التفاخر باللغات الأجنبية ؛ الظاهرة التي سادت و استشرت في الكتب و الإعلام و أطراف الحديث اليومي !
في حاجة لتعليم اللغة العربية الفصحى الصحيحة السليمة بالطريقة الصحيحة السليمة لأطفالنا.
لأننا في احتياج يومي لها !
في قراءة القرآن ، والسيرة النبوية، وسير الصالحين ،وكتب التراث و التاريخ …
يجب أن نتخلص من جهل تاريخنا … وكأننا نعيش في جانب من كوكب به نصفه مظلم لا نعرفه عنه شيء يحمل ثروات عظيمة لا غنى عنها في ظل هذا الفقر الشديد !

نرى الآن العديد من الكتب التي تكتب بالعامية بحجة أن يكون الكاتب أقرب وتصل مشاعره للقارئ!؟
لا والله ما هذا إلا كذب و افتراء ، وضعف من الكاتب نفسه … لجهله لما تحمله اللغة العربية الفصحى من معاني بجوفها سيل من المشاعر تتدفق و تنسكب بداخل قارئها .

و هذه مشكلة ليست تخفى عن ذو بصيرة ، نشاهد اليوم بكل أسف عدم قدرة الأطفال على قراءة القرآن أو كتب التراث التي هي مصدر تاريخنا و حضارتنا ،وليس هذا واقع أطفال عاديين بل حتى المتفوقين منهم دراسيا !
وإن نُسهب لا ننتهي… فالأمر يحتاج إلى مجلدات من الكتب و الكثير من الدراسات و الأبحاث المتخصصة لنكشف عن الداء و مصدره وسببه و علاجه .

ثالثا : الفن

الفن نتاج إبداع عقلي إنساني ، وبما أنه نتاج عقلي ؛فهو مرهون بعقلية الفنان الذي يبتكره ، و غذاء العقل المعرفة!
ونكون بذلك عُدنا لنفس النقطة ألا وهي المخزون المعرفي في عقل الإنسان …فهو مُشكل الثقافات و الحضارات و المسئول عن التقدم أو التخلف … وكل نتاج إنساني مصدره الأصيل العقل الذي يتغذى على المعرفة !

الفن هو لون من ألوان الثقافة الإنسانية حيث إنّ الفن هو نتاج بعض الابداع الذي يكون مصدره الإنسان، كما أنّ الفن يعتبر أداة تعبيرية لدى الإنسان بالأمور الذاتية الخاصة به، ولا يكون تعبيراً عن بعض متطلبات الإنسان في حياته الاعتيادية، كما أنّ معظم الأشخاص يقيمون الفن على أنّه ضروري جداً في الحياة، مثل: ضرورة الماء، والطعام للإنسان أي أنّها مهمّة جدة لحياة الانسان، كما أنّ هناك عدة انواع للفنون فمنها ما يطلق عليه بالفنون المادية ومنها ما يطلق عليها الفنون غير المادية، فالفنون المادية هي الفنون التي تكون، مثل النحت بالإضافة إلى الزخرفة وصنع الفخار .. إلخ، أمّا الفنون غير المادية هي مثل الموسيقى وغيرها. ( تعريف الفن – حروف عربي )

ولا يخفى أيضا عن مُبصر التخلف و السطحية التي يعاني منها الفن ،و يُترجم ذلك ويتجلى في الانحطاط و الرداءة التي تعاني منها الفنون .
وينعكس بالتبعية على الأغانى و الافلام و المسلسلات وجميع أنواع الفن.

إقرأ أيضاً:  بين نظرية إرادة العيش وخرافة تجاذب الأضداد

مساحة إعلانية


رابعا : العلم

إن كنا قد تناولنا جميع العناصر السابقة بالنقد و القدح -والمقصد كشف الداء حتى يمكن الدواء- ولكن في هذا العنصر يختلف الأمر.
فالعلم في تقدم دائم بسرعة هائلة، و سائر العلوم اليوم في حالة من الازدهار لا تقارن بما كانت عليه في السابق .
وإن كنا -في هذا المقال- يهمنا في الأساس مجتمعنا – الذي ليس له دور يذكر في هذا التقدم العلمي! – إلا أن التقدم العلمي مؤثر علينا و نلحظه جيدا في ظل العولمة والانفتاح الحالي ، فيصل إلينا كل جديد في الوقت نفسه الذي يصل إليه مكتشفيه أو مبدعيه.

تُترجم إلينا العلوم و الكتب ، ولا طائل منها حتى الآن؟
متى يصبح لدينا دور فعال في التقدم العلمي؟
ومتى نتوقف عن اللهث خلف مخلفات الأمم الغربية ؟
متى نصنع بأنفسنا ما نحتاجه ليُناسبنا؟

ولا أعتقد أن موطن الداء في الأشخاص بل في مؤسسات ، لأننا شاهدنا بعض العقول الفردية وصلت لمكانة عظيمة أمثال علي مصطفى مشرفة ،و سميرة موسى تلميذته،وغيرهم – قديما- ، وحديثا : مجدي يعقوب و فاروق الباز وغيرهم.
الداء موطنه مؤسسات التعليم … التي تسير على الطريق الخاطئ في المادة العملية (المناهج) المقدمة ، والطريقة المستخدمة للتدريس وإيصال المعلومات، و سوء استغلال سنوات الدراسة بالشكل المناسب الفعال .
وهناك مئات بل آلاف الدراسات و الأبحاث و التجارب الواقعية التي يمكن الاستفادة منها في هذا الجانب حتى يمكننا تطوير التعليم بدوره تطوير للعقول ليكون لنا دور في التقدم العلمي.

ولا أحب أن أتجاهل الدور السلبي للتقدم العلمي في تفشي ظاهرة الإلحاد ولو بالذكر و التلميح دون الإسهاب أو الاطاله .

في الخاتمة – مدخل لفهم الثقافة والتقدم

ما أسلفنا ذكره مقومات الثقافة… الإصلاح في جانب أي منها مقدمات التقدم الثقافي و المعرفي و هو التقدم الذي يتبعه تقدم الأمم و المجتمعات ، وفساد عنصر يُترجم فساد الثقافة و فساد المعرفة الذي يترجم ويفسر بدوره تخلف الأمم و المجتمعات.

في النهاية … أتمنى أن أكون شاهد على عصر نتقدم فيه وتسود ثقافتنا ، عصر يقودنا فيه أصحاب العقول و أهل الحكمة … عصر يسود فيه الإصلاح… ويقل فيه الفساد … عصر نهضة الأمم ويقظة العقول .

انتهي،،
تحرير في ٧فبراير ٢٠٢٣.

شهاب قرض

(مدخل لفهم الثقافة والتقدم)

إقرأ أيضاً:  المصابرة والتصبر طريق للصبر


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

الثمار المعطوبة

الأحد مارس 5 , 2023
تمت قراءته: 463 لا شك أن لكل منا “ثمارًا معطوبة” و”جرارًا مشروخة”، و”نقائص معروفة”، و”عيوبًا معلومة” لكن علينا أن نعالج ثمارنا، ونصلح شروخنا، ونداوي نقائصنا، ونقوّم عيوبنا. لحمة وإصلاحًا لأسرنا ومجتمعاتنا وأوطاننا وأمتنا. وبغية المثوبة من الله، فحسبنا “أننا نحمل قلبًا مفعمًا بحبّه تعالي، همّه أن يقدّم كل ما لدينا […]
الثمار المعطوبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة