الكثير من الصّدمات النّفسية والكثير من العيوب الذَّاتية يواجهُها الفرْد في مجتمعنا، اِعتبرتها عيوباً، لأنّها غير محبوبة ولا محمودة من طرف الجميع، بعد أنْ طالعت بعضاً مِن المقالات الطّبية، في مجال علم النّفس، ومن تجارب حيّة عن التّنمر، فإنَّ هذا الأخير يصادر قطعة غنيّة بالصّدمات النّفسية لدى الطّفل والبالغ. في هذا المقال سنُعَرِّج على ألوان التّنمر العدوانية و محطّاته، وكيف يمكن للإنسان أنْ ينالَ دِرعاً يتعامل مع ضربات هذا السّلوك و يردع صعقاته. (صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع)
ما هو التّنمر؟ – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
التّنمر يعتبر سلوكاً عُدْوانيا داخل الأسرة والمجتمع، يمارسه الطّفل على من حوله من أطفال، و يمارسه البالغ على من حوله، سواء في الأسواق أو العمل أو الجامعة وغيرها. موضوع التّنمر في غاية الأهمية، وهو عادة خطيرة، سنحاول من خلال هذا المقال أن نسقط الضوء على مسامات التنمر المخفية، أسبابه وأشكاله، ثم تأثيره و نتائجه داخل المجتمع، وكيف يمكن معالجة هذه العادة لدى الأفراد.
من الجيّد أن يميّز الفَرد بين سلوك التّنمر وبين النّقد السُّلوكي و الشّخصي، فأغلبنا يخلط بين الأمرين؛ النَّقد والتّنمر بين الصبي والآخر، بين الرّجل والآخر، بين السّيدة والأخرى، بين العامل وزميله. سنضع صيغاً توضِّح الفروقات بين النقطتين، لنتَعرّف على كل منهما بالتساوي:
النّقد – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
النّقد هو أن يُبدي الطرف الأول رأياً مفصّلا عن الطَّرف الثّاني، مع إِظهار تعليقاتٍ وصفية حوله، قد تَمسّ الجانب الإيجابي فيه أو الجانب السّلبي. لكنّ النّقد يعتمد على الطّرق الودّية و المأدّبة، بأسلوبٍ مباشر لفظي، أو غير مباشر بشكلٍ كتابي.
التّنمر – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
يعتبر التّنمر إِساءةً لفظيّة، عنصريّة، جسدية أو عاطفية من طرف فردٍ يتّسم بهذا السّلوك وهذه العادة السّيئة اتِّجاه فردٍ آخر. وهو إيذاء متكرّر، يستهدف التّنقيب عن العيوب المادّية أو المعنوية، الجسدية أو العقلية بأساليب عِدائية وعنيفة.
مساحة إعلانية
من أسباب التّنمر – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
بما أنَّ التّنمر يعتبر عاملاً من عوامل زعزعة القوامة النَّفسية، فإنّه ينحدر من أسباب تُهشِّم حصانة النّفس و تغيِّر من شكليّات الشّخصية. فالفرد لا يُولَد بعادة التّنمر ، ولكنّه يتأثّر بظروف تُحكِم قبضتها على حيّز استقامته، وتحوِّله من فردٍ سوي إلى فردٍ متنمِّر، تجعله يكتسب سلوك التّنمر، من بينها نُقص الوازع الدّيني والخُلُقي، قِلّة حصافة التّربية الأسريّة والاجتماعيّة، و كذلك، الشّعور بعدم التّأثير داخل وخارج الأسْرة، أي أنْ يشعر الفَرد أنّه بلا فائدة ولا قيمة من طرف المحيطين به مِنْ أقارب و زُملاء و مسؤولين.
الضغوط النّفسية التي تسبِّبها الأوضاع الإجتماعية للفرد، قد تكون سبباً هي الأخرى في إصابة هذا الأخير بسلوك التّنمر، من بطالة و صعوبات مادّية، ومشاكل أُسَرية أو أيّ ضغوط في الجانب الاجتماعي، خاصّة إذا كان الإنسان متأثّرا بشدّة ومُتمسّكاً بشكلٍ مبالغٍ فيه بتفاصيل الحياة.
في بعض العائلات، نلاحظ أساليب عنيفة في التّربية، يمارسها الآباء على أبنائهم، من ضربٍ و كلمات لاذعة و معاملة خشنة قد تأثّر على ذهنيات الأطفال أو حتى البالغين، وتسبّب لهم اضطرابات نفسيّة تجعلهم لا يحافظون على نسق تصرّفاتهم مع العامّة، تفقِدُهم أساليب الحديث والحوار، ثم تحوّلهم إلى أفراد متنمّرين مع عامة النّاس، فلا دخان بلا نار، وكل فعل له ردّة فعل و نتائج، قد تكون سلبية.
هناك علامة حمراء أخرى، ظاهرة تجعل الطّفل أو البالغ متنمّراً، وهي الكبر والاستعلاء على الغير؛ تنحدر هذه الصّفة أحياناً من العيش الرّغيد، وسط بيئة مدلّلة وأسرة مُرفّهة، تفقد الفرد ثباته و تواضعه فيجْحَد ما حوله و يسخر من الضّعيف و يستعلي ويتنمّر على المُعاقين و الصّبيان وغيرهم، الشُّعور بالأفضلية والأحقّية، والصّور كثيرة.
العنصرية اللونية، الجنسية، الدينية والعرقية، التي إن مارسها الفرد على غيره ستقوده إلى رمْي حِمَمٍ من التُّهم اللاَّ أخلاقية، والتي تمسّ بأصْل الفرد، ثُمَّ التّحدث عن لونه و الخوض في إبطال ديانته و مرجعيّاته، وهذا كلّه يغرق في وحل التّنمر و العُنف والمَقْت.
ثُمَّ إنَّ أغلب أنواع الحرمان التي تصيب الفرد غير المستقرّ ذهنياً، قد تثير فيه غريزة التّنمر، كالحرمان الذي يصيب قبيلةً أو بلداً بأكمله، اقتصادياً وسياسياً، من حرمان للحقوق والعيش الكريم، إلى حرمان لممارسة المشاريع والطّموح إلى الإنجازات. ثمّ، على الصّعيد الشّخصي؛ الحرمان العاطفي، وهنا تَظْهَر نقطة ضعف المراهقين، كل هذا ينمّي سلوك التّنمر داخل عقل الشّاب، ظَنّاً منه أنه يَسْترِدّ ويعوّض حرمانه.
من أعراض التّنمر الظاهرة على الفرد
يمكن أن نكتشف علاماتٍ عديدة على الفرد الذي يتعرّض للتّنمر، صبياً أو بالغاً. لكلّ فعل ردّة فعل، يمكن من خلال هذه الأخيرة تشخيص نوع التّنمر الذي واجهه.
أمّا عن الصّبي، فهي أعراض نفسية أو فيزيائيّة يمكن أنْ تعود بنتائج سلبية على حيّز حياته الصّغيرة، كتقهقر حادّ في الحيوية والنّشاط واللّعب، وتراجع في نتائج امتحاناته المدرسيّة، ثُمَّ عُزلته الواضحة عن المجامع الأسريّة أو خارج المنزل. كما أنَّ الضغوط النّفسية التي تنجم عن تعرّض الطّفل للتّنمر، يمكن أن تسبّب له مشاكل في النّطق والحديث والتّحاور، بحيث يُلاحظ الوالدان اضطراباً شديداً في إيقاع النّطق لدى أبنائهم و تَأْتَأَة يسبِّبها الخوف المتكرّر.
عموماً، يبتعد الفرد عن المواضع والأزمنة التي تعرّض فيها إلى التّنمر، يتخوّف من الأشخاص المُشْتبهين ويتجنَّب الاحتكاك مع الأفراد العنيفين والذين يمتلكون قوّة الشَّكيمة، وهذا نتيجة تأثّر عقل ونفسيّة الإنسان بالسلوكيات العنيفة و البذيئة التي تعرّض لها، ومنها الجسديّة كالضّرب و الاعتداء، أو الكلامية كالسّب والمَعاني المُترعة بالعُنصرية و الاستِحقار.
ثُمَّ إنَّ من أبرز الأعراض التي تظهر على الشّخص الذي واجه التنمر، علامات العصبيّة المفاجئة، مِنها التَّوتر المستمر، مصحوب بالتَّعرق في راحة اليدين، و القلق الذي يمنعه من النّوم ويفقده شهيّته في الأكل، حتى في وجباته المفضَّلة، من جهة أخرى، هناك بعض الأشخاص تزيد شهيّتهم ويعوِّضون توتّرهم الحادّ بالأكل الكثير.
يلاحظ كذلك عدم اهتمام الشّاب بملبسه ومظهره، خاصّة أنَّ الشَّباب يميلون لترتيب أناقتهم و السّعي وراء أحسن الموضات، لكن الشّاب الذي تلقى صعقة تنمّر، تظهر عليه اللاّمبالاة، قلّة الكلام و الضّحك، والميول إلى العُزلة التَّامة.
مساحة إعلانية
مواضع التّنمر ومحفّزاته
طرُق التّنمر والمحفِّزات التي يتغذّى عليها عديدة، سنحاول أنْ نخصّص لها مساحة مُفصّلة، تبرز أين ومتى يمارس أو يتعرّض الفرد إلى التّنمر
في المدرسة – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
في المدرسة فُرص جَمَّة للتّنمر، بحيث يتعرّض التّلميذ للتّنمر أو يمارسه على تلميذ آخر، يحدث ذلك عبر مختلف مراحل التّعليم، نتيجة تأثره و تقليده لأشخاص بالغين، فمثلا في الابتدائي والمتوسّط، يدوّن شريط التّسجيل داخل عقل التّلميذ الصّغير مجموعة من العبارات العُنصرية أو الجهوّية أو الكلام الفاحش، وسط مجتمعه، ثم يُفْرِغُ حمولته السّوداء على عقول زملائه في المدرسة. ثُمَّ، في المرحلة الثّانوية، حين تهبُّ رياح سلوكيات المراهقة العاتية على حياة الشّاب، بحيث يحاول هذا الأخير أن يفرض قُوّته و سيطرته على الآخرين، فينتج عن ذلك تحويل تلك الطّاقات المُخزَّنة إلى تنمُّر وكلمات مستفزَّة، يصيب بها زملاءه. فالفراغ المدرسي شائع في هذه الفرص، نظراً لكَدَس العقول المتواجدة و طبيعة النّاس المختلفة، وكثرة الاحتكاكات والوحشية و العُنف المادي والمعنوي.
داخل الأسرة – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
لو نبشنا عميقاً في أسرار الأُسْرة، لوجدنا أن أوّل من يتعلّق به الصَّبي بعد ظهور علامات الوعي عليه والداه. فالصّبي يعتبر والديه قطعة منه، في تحركّاته وسكناته، في غِذائه، ملبسه ومشربه، في دراسته و أثناء نومه، يرتبط عقله بهما، كونهما مَثَله الأعلى وقوّته المَخفيّة، التي يُظْهِرُها حين يشعر بالتّهديد أو الخوف، لكن، إن تحوّل ذلك المصدر الموثِّق للقوّة (أي الوالدين)، إلى عنف ضِدَّه وتنمّر، سيُرمى به حتماً في حلبة الخسارة، سيشعر الإبن أنّه فقد كلّ شيء، كلّ أمل في البقاء، سيبني قلعة من الخوف تنهار على عقله فيمرض نفسيّاً وتنقص فاعليته، سينعكس ذلك التّنمر على شخصيّته، على طفولته و براءته و نشاطه، فتَشُنُّ العقدة النّفسية حرباً على مستقبله.
داخل الأُسْرة حِصنٌ منيع، يقي مِنْ إصابة الطّفل بِداءِ التّنمر خارجاً، لكن، في بعض الأحيان، يتعرّض الفَرد إلى التّنمر من طرف إخوته وأقاربه، فمن خلال التّجربة وتتبُّع سلسلة المشاكل الأُسَريَّة، تعتبر الأشياء السّيئة والضربات والصعقات التي تأتي من قريب أشدّ تأثيراً و حِدَّة، خاصّة في مراحل التّكوين الأولى للصّبي، فالعائلة الوطيدة مدرسة، والعائلة الهَشَّة هي أول أسباب انهيار الفرد داخل وخارج مجتمعه.
داخل العمل – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
مكان العمل مَوطِن آخر للفرد، موطن ثانوي، قد يقضي الموظَّف أكثر أوقاته في مكتبه بين زملائه الموظّفين، سَيُكَوِّنون أُسْرة عمَليّة، قد يَسْعَد البعض داخلها إذا كان الأعضاء متماسكون في ما بينهم، لكن شرارات العمل الجمعوي قويّة حقّاً، قد يتعرّض الفرد إلى التّنمر من طرف مديره، أو زميله في العمل، خاصّة إن كان هناك اعتبار لتدرّجاتٍ في قيمة المهنة ودرجات الرُّتب والفئة.
قد ينعزل الفرد داخل عمله وقد تصل به إلى التّخلي عن عمله وعدم الذهاب إليه، ثُمَّ تدهور حالته الاقتصاديّة والمادّية والنّفسية.
التّنمر الالكتروني والشّبكات الإجتماعية
مِنْ طَبع الإنسان أنْ يصيب فكره شرخ وضمور فكري بوجود بعض أدوات التّواصل التي تسهّل من ترجمة شتات فكره وألوان مزاجه المتغيّرة إلى حروف لاذعة، نتحدّث هنا عن شبكات التّواصل الإجتماعي؛ مثل المسنجر و تويتر وغيرها، التي فرضت وعَنْونَت نفسها ب ”جالسٌ وأشارك المجتمع”. فهي تعدّ من أخطر الأدوات التي يغيب فيها عقل الفرد التَّالِف، فيتنمَّر، ويرمي حاوية حروفه القاسية على الآخرين.
قد يكون خطر التّنمر الإلكتروني أكثر قسوة لما يحمله من تنمّر جماعي، لا يقتصر فقط على الصِّراع بين فرد وآخر، بل بين جماعات، أو بين فرد وجماعة كبيرة، تتهجّم عليه بالرّسائل البذيئة والألفاظ العنصرية المُسيئة. لذلك، فإنّ وفرَة التّطور التكنولوجي تُعدُّ من أشدِّ عوامل انتشار السّلوكيات المشينة.
ضغط السّياسة – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
نرى اليوم أنَّ الهرولة نحو الكرسي والشُّهرة بات كثيراً، والسّلطة سادتها الفتن المُستحدثة؛ فَرْد يتنمّر على آخر ليُسيء إلى صورته أمام المواطنين و يمرّغ أصله وفصله في التّراب، ثم آخر يتنمّر على مترشّح بالكلمات المليئة بالحمم العنصرية. قد يصل التّنمر هنا الى الجسدي منه، من أجل الظّفر بالمنصب و القيادة، ثُمَّ استمرار الأحقاد والضّغائن عبرَ العصور، وبعض الأجهزة الإعلامية غير اللاّئقة كانت ولازالت سبباً بارزا ومتوقِّداً في انتشار مثل هذه الصور المختلفة للتّنمر.
التّنمر الجسدي – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
يكون عن طريق التّعدي بالضّرب و الارتكاز على التّصرفات العنيفة، كذلك باختلاق الأسباب التي توقع الفرد في الأذى وتُعَثِّره ثُمَّ تسقطه أرضاً، والهدف هو السّخرية منه أمام الملأ.
التّنمر اللفظي – صَعقات التّنمر داخل وخارج المجتمع
يعدُّ هذا النّوع من أسهل و أكثر أنواع التّنمر إقبالاً من طرف العنيفين، يرتكز المتنمّر هنا على الأحرف والكلمات والجُمل الجارحة السّيئة، الألفاظ المهينة والإنتقادات الهدّامة للشّكل والمظهر، تترك أثراً عميقا على نفسية الفرد المتنمّر عليه.
مساحة إعلانية
ما هي عواقب التّنمر
بما أن التّنمر سلوك شديد التّسلط على عقل الإنسان، فإنّه يترك نتائج مختلفة على الفرد، على الجماعة وعلى المجتمع بأكمله، قد يسبّب التّنمر اللّفظي والجسدي اضطراباتٍ نفسيّة تُميت العقل، وكآبة تحيط بالفكر و تَحُدّ النّشاط، قد يوصل هذا إلى التفكير بالإنتحار، وهو ما حدث كثيراً.
الأطبّاء النّفسانيون بدورهم شددواْ على إبعاد الأطفال بشكل خاص عن حلبة التّنمر الذي يأثِّر على مستقبلهم العلمي والتّربَوي.
كأوّل أعراض التّنمر التي تظهر على الضّحية، هي العزلة الإجتماعية و الإنطوائية وعدم مشاركة الآخرين في الأعمال والنّشاطات الجماعية، كذلك في المأكل والمشرب والمجمع. أحيانا تنعدم شهيّته في الأكل كُليّاً وقد يفكر في الانتحار، قد يقرّر الهجرة من موطنه الذي تأثَّر فيه سلباً، وقد يهجر الوطن كاملاً.
أما عن أشدّ العواقب العميقة للتّنمر، هي تكوين متنمّر جديد في المجتمع، نتيجة التّأثيرات النّفسية والعقلية والاضطرابات التي تنجم عن هذا السلوك، سيشكّل الفرد بذلك شخصيّة متنمّرة و أفكارا عدوانية وتدهورا حادّا في السّلوك عموماً.
نظرة على ظاهرة التّنمر من الجانب الدّيني
لو نعود بسِجِلِّ التّاريخ وما يتوثَّق عنه، ثُمَّ للقرآن ومحطّاته الجَليلة، لوجدنا أنَّ هناك صوراً كثيرة للتّنمر، قبل أن يصنّف على هذا المنطلق؛ نعود الى قصّة قابيل وهابيل، و إلى النّبي يوسف عليه السلام وماحدث له مع إخوته الذين كادواْ له مكيدة مؤلمة، وقصّة المرأة التي أهانها جنود مَلِكِ الرّوم وتحرّشوا بها وسخروا من دينها وملبسها وأمسكوا بطرفِ جلبابها فصرخت “وامتعتصماه”، ليقود المعتصم جيشه إلى عمّورية ردّاً على هذا السُّلوك الممنوع في الإسلام.
فقد نهانا الله سبحانه وتعالى عن التّنمر في قوله عزَّ وجلّ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} من «سورة الحُجُرات: الآية11»
فقد جاء في إيضاح” ابن كثير” لهذه الآية أنّها نَهْيٌ واضح وصريح مِنَ الله سبحانه وتعالى عن رمي النّاس بألفاظِ الإحتقار و الإستهزاء، لصِفاتهم و فقْرهم ومرَضهم، فلربّما كان ذلك الشّخص الذي تَمَّ التّنمر عليه والسّخرية منه ذو قدْرٍ ومكانة أعظم عند الله من السّاخر ، رُبَّما يكون أحبّ لله من الشّخص الذي تنمّر عليه. أمّا ما جاء في قوله عزّ وجل {وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ} فقد فسّر ابن كثير ذلك بإيماءات يقوم بها الفرد، توحي للطّرف الآخر بالإستهزاء به، قد تكون نظرات حادّة، حركات شاذّة، أو كلام غير لائق. ثُمَّ في قوله تعالى {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، أي أن يمتنع الفرد عن إطلاق أسماءٍ يستاءُ منها الطّرف الآخر عند سماعها.
كذلك جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنَّ رسول الله ﷺ قال” المُسلم من سلم المسلمون مِنْ لسانه ويده، والمهاجر من هجَر ما نَهى الله عنه” صدق رسول الله ﷺ.
علاج التنمر
إِنَّ أوّل شيء على المَرء أن يحيط به لكي يتخلص من هذا السّلوك العُدواني هو تقييم الجانب النفسي والعناية به، من خلال اكتساب الفرد الثّقة الكاملة في نفسه و ذاته وتعزيزها. ثُمّ إنَّ الأُسْرة هي الحافز الأكبر لهذا الأمر، وذلك بنشر الوعي الأُسَري وتربية الأبناء في بيئة ثريّة بالأخلاق الحسنة والدّين، وتعامل الأولياء كمسؤولين رئيسيين في ما يصيب أبناءهم من سلوكيّات إيجابية أو سلبية.
التّنمر أحد الفيروسات النّفسية التي تسجُن الفرد بين قضبان، ظاهرها متين، باطنها هش، قابل للتغيير إذا كانت عقول المجتمعات ناضجة ورصينة.
هل لاحظت سلوك التّنمر وسط بيئتك؟ داخل أسرتك؟ بين زملائك؛ في المدرسة أو في العمل؟ ماذا تقترح كونك صاحب عقل حكيم يميز بين السّلوك المحبوب والسّلوك المذموم!؟
عبد المالك عزاوي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
عبد المالك عزاوي من الجزائر، كاتب رواية ومقالات متنوعة، وأستاذ لغة فرنسية.