تعد آفة النفاق من أكثر الآفات التي تؤثر على أعتى المجتمعات بالسلب وتصيب أية ثمار تسعى لجنيها بالعطب، وبمرور الوقت تتسبب في أمراض مجتمعية خطيرة يصعب معها ضبط إيقاع الحياة. يتحول فيها الخطأ إلى صواب وتختلط بها الأوراق وتتبدد معها المعايير ليبقى معيار واحد فقط ألا وهو “المكسب السهل”. (لعنة النفاق)
هذا المكسب ليس بالضرورة أن يكون ماديا فقط بل معنويا أيضا. وقد تتفاجأ أحيانا بلجوء البعض إلى النفاق بالرغم من عدم حصولهم على أي مكسب أو منفعة ملموسة جراء هذا الفعل البغيض، لتدرك فيما بعد أن الشعور بالإنسحاق وعدم التحقق الذاتي يدفع البعض إلى نفاق وتملق القوي المنتصر حتى وإن كان ظالما صاحب سلطة غاشمة. فيشعر وقتها المنافق بلذة فوز زائف يتناسى بها خيباته.
ومن عظم هذا الإثم وخطورته على المجتمعات فصل الله لنا في كتابه الكريم الأمر تفصيلا بليغا. فقد ذكر عز وجل كلمة النفاق ومشتقاتها سبعا وثلاثين مرة في إحدى عشرة سورة من القرآن الكريم، وهي (آل عمران، النساء، العنكبوت، الحشر، التوبة، الأحزاب، الفتح، الحديد، الأنفال، المنافقون، التحريم). بين لنا فيها صفاتهم التي وصلت إلى ثلاثين صفة تقريبا، كما أورد ردود أفعالهم تجاه مواقف فارقة في حياة الجماعة وتعاملاتهم بين أفراد المجتمع الأكبر. وحذرنا سبحانه من خداعهم فهم دائما يظهرون عكس ما يبطنون. يصدون عن سبيل الله بأفعالهم لذلك أمر نبيه الكريم بأن يتخذهم عدوا درءا لفسادهم في الأرض.
مساحة إعلانية
لخص لنا النبي خصال المنافق نفاق عملي في حديثه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. كانت علامات دالة كاشفة نهتدي بها لنتجنب الوقوع فيها ونميز من خلالها الخبيث من الطيب، حتى لا تلتبس علينا الأمور ويزيد التيه والضلال. وكانت آيات الذكر الحكيم كاشفة أيضا لعقاب الله وعذابه للمنافقين في الدنيا والآخرة.
(وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ) [التوبة 101].
و لو تأملنا قول الله تعالى ﴿۞ وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (75) فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ (76) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (77)﴾ [سورة التوبة 75: 77]
لوجدنا أن عاقبة مخالفة وعد الله والكذب والبخل بما أنعم من فضله على عباده كانت النفاق مرض القلوب الذي يتسبب في فسادها وعماها. إذن كان النفاق هنا في حد ذاته عقاب من الله والفاء في “فأعقبهم” دلت أن العقاب كان سريع ومن رهبة هذه الآيات نستطيع إستنباط أنه ربما لا يشعر هذا العبد أن الله أضله إلى النفاق “يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ” [النحل: 93]. أي أن نفاقه وضلاله كان بيد الله جزاءا بما فعل في الدنيا قبل الآخرة. نستشعر هنا أن الإنسان هذا المخلوق الضعيف يتوهم ويتصور أنه وحده القادر على التحكم في شئونه ويستطيع الإستمرارأو الإقلاع عن أي أمر في أي لحظة ولكنه سبحانه صاحب الأمر حذرنا
(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) [الأنفال: 24]
النفاق خسران مبين لن يكون أبدا سببا في نجاة من خطر أو فوز بمكسب سهل وسريع أو درع حماية من بطش الجبارين بل لعنة تصيب المجتمعات بالخزي والضلال. ويتبعه عذاب في الدنيا فبل الآخرة.
آمال حافظ
(لعنة النفاق)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
آمال حافظ من مصر. تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. عملت في مجال إدارة الفنون وتنظيم المعارض. كما شاركت في فعاليات ثقافية بمنظمات المجتمع المدني ولها دراسات متعددة في مجال الإعلام.