كانت لقصة سيدنا موسى نصيبا وافرا من الذكر والتكرار في القرآن الكريم. ربما دل هذا التكرار الذي يضيف كل مرة بُعدا جديدا للمتدبر في هذه القصة ويبرز تأثيرها ورسائلها التي تحملها للبشرية إلى يوم الدين. فمن شخوصها المذكورة في القرآن الكريم قارون الذي أنبأنا رب العزة أنه من قوم سيدنا موسى ولكنه بغى عليهم. (موسى وقارون)
اختلفت الأقاويل والتفاسير في تحديد صلة القرابة بين سيدنا موسى وقارون هل هو ابن عمه أو ابن خالته أو عمه؟ لم يخبرنا الله هذه التفصيلة التي لا تؤثر على فهمنا واستيعابنا للمعنى. فالأمر أهم وأعمق من هذا بكثير ويحمل من العبر والدروس ما يكفي.
جاء ذكر “قارون” أربع مرات في ثلاث من سور القرآن الكريم. مرتان منهم جمعه الله عز وجل مع فرعون وهامان.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ ۞ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ غافر: 23-24
(وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ) العنكبوت 39
بالرغم من كون قارون من بني إسرائيل وقريب لموسى إلا أنه لم يؤمن بما جاء به من الآيات المبيينات وكذبه واتهمه بالسحر كباقي القوم الفاسقين.
مساحة إعلانية
أوضح الله مكانته في دولة فرعون فهو من كبار رجالاتها بسلطان ماله ونفوذه بالانضمام إلى جبهة فرعون المتجبر والمستعبد لبني إسرائيل. كما زادهم قارون المحسوب منهم العذاب بأن *بغى عليهم*. أوجز لنا القراءن الكريم بذكر هذا البغي والذي تندرج تحته معاني تجاوز الحد في الظلم والفساد والتجبر بالقول والفعل. بنو إسرائيل مستضعفون من أقرب الناس وأبعدهم. يالها من ابتلاءات عظيمة على أي نفس بشرية! ولذلك كان الجبر والمن والتفضيل من الله يفوق أي تصور.
في سورة القصص فصل لنا الله حجم ثروة قارون الهائلة حيث كانت تعجز عن حمل مفاتيح خزائنها العصبة من الرجال الأقوياء.
اختلفت وتعددت التفاسير حول مصدر هذه الثروة هل هي من معرفته بعلم الكيمياء وتمكنه من الحصول على الذهب أو من مهارته في التجارة وإدارة الأموال؟ أيا كان المصدر فهو من عند الله *وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ*. لكن قارون استكبر بغير الحق واستنكر فضل الله عليه، أخفق في الإختبار وتصور ان ما هو عليه من غنى وعلو جاء نتيجة علمه ومهارته في الانتفاع بهذا العلم.
لم يحسن إلى الناس كما أحسن الله إليه، لم يستمع إلى نصح سيدنا موسى والمؤمنين من قومه بأن يبتغي الدار الآخرة ويكف عن الفساد والتجبر في الأرض. كان قارون في خيلائه وعلوه وتفاخره مصدر فتنة لقومه حتى تمنى بعضهم أن كان لهم مثل حظ قارون من الغنى والرغد والسعادة. وصف الله لنا هؤلاء بأنهم *الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا* فهم مثلا لأغلبنا عندما يشتد عليه الأمر ويضيق به الحال ثم يفتن.
لكن جاء الرد من أهل الإيمان الذين آتاهم الله العلم بحقيقة وجود الإنسان على الأرض وعمله وعبادته من أجل الفوز بالجنة بأن ثواب االله أفضل لعباده الصابرين. أراد الله ان يهلك قارون بأمواله وكنوزه وهو في كامل زينته وزهوه وتفاخره أمام أعين قومه. بأن خسف به وبداره الأرض حتى أيقن من تمنوا مكانه بالأمس أن كل شيء بيد الله ولن يفلح من عصاه. فقد منّ الله عليهم بألا يشملهم العقاب بالخسف. وهلك قارون بسلطان ماله.
آمال حافظ
(موسى وقارون)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
آمال حافظ من مصر. تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. عملت في مجال إدارة الفنون وتنظيم المعارض. كما شاركت في فعاليات ثقافية بمنظمات المجتمع المدني ولها دراسات متعددة في مجال الإعلام.