الحياة والموت في رواية اسمى عزرا

تجذبنا اللحظات الأولى من الرواية [1]رواية اسمى عزرا، المؤلف حسام قنديل، ببلومانيا للنشر والتوزيع، مصر،2019 إلى عالم غير مألوف يتسم بالغرابة والغموض، وكأننا داخل لغز يصعب حله سوى في اللحظات الأخيرة. تتسم الشخصيات في هذا العالم بأنها شخصيات غير ضحلة، تتمتع بقوة الإرادة وحرية الاختيار على الرغم من أنها قد تبدو للوهلة الأولى كعرائس ماريونيت. يتضح هذا من خلال سرد كل منها للأحداث من منظورها الخاص الذي يؤدى بنا في نهاية المطاف لفهم عالم سراج، هذا العالم الذي خلقه ويتحكم فيه كيفما يشاء، إلى أن يحدد مصيره بنفسه. (الحياة والموت في رواية اسمى عزرا)

الحياة والموت في رواية اسمى عزرا

تلاقى عالم سراج مع عالم الطبيب النفسي

تبدأ الرواية على لسان الطبيب النفسي الذي يمهد الطريق لظهور البطل- “سراج”- من خلال ذكرياته عندما تقابلا لأول مرة، وكيف تأثر بهذه المقابلة لدرجة أنه عاش على أمل تكرارها. ينعكس ذلك على الأسئلة التي وجهها لسراج، والتي تدل على اشتياقه الشديد لسماع كل ما حدث بعد أن تقابلا منذ عشرين عامًا. يتداخل صوته بالتوازي مع صوت سراج، وكأننا داخل عالمين مختفلين، عالم الطبيب النهم الذي يبحث عن المال وسماع تجربة مثيرة، وعالم الأفكار الغامضة التي تحفزنا نحو معرفة عالم سراج. نسكتشف هذا العالم من خلال الحوار المتبادل بينهما حيث يجد سراج نفسه بين سطور كتاباته في صورة القاضي والجلاد والمتهم، ليحصل في النهاية على نشوة تتملكه وتظهر في بريق عينيه. وعلى الرغم من حصوله على جائزته الكبرى إلا أن خوف غريب يسيطر عليه.

المرأة في عالم سراج (الحياة والموت في رواية اسمى عزرا)

تمثل المرأة في هذا العالم محورًا رئيسيًا هامًا، فمن خلالها نستطيع كشف الغموض والحيرة التى سيطرت علينا في البداية، لننطلق بعدها إلى عالم أكثر وضوحًا. يتعامل سراج مع ثلاث نساء يختلفن في الأعمار، والإرادة، والإختيار، لكل منهن تجربة حياتية انعكست على اختيارها. قد يبدو أن سراج هو المتحكم في مصيرهن، ولكن مع الغوص في رحلة كل منهن يتضح لنا بأن سراج ما هو إلا مساعد لتحقيق ما يريدن. تتباين طبيعة كل منهن ما بين الراضخة المستسلمة، ومن تبحث عن الموت، والمتمسكة بالحياة حيث تنجذب كل منهن إلى عالم سراج بشكل سحري، فهو بالنسبة لهن يمثل الأمل- بغض النظر عن طبيعة هذا الأمل.

إقرأ أيضاً:  الأدب العربي بين المحلية، والعالمية، و"العولمة"

مساحة إعلانية


رائحة الموت (الحياة والموت في رواية اسمى عزرا)

تفوح رائحة الموت من خلال استثارة الحقد والغيرة في النفوس، يتجلى ذلك في الطريقة التي تعامل بها سراج مع سيد الجنايني وتمهيد الطريق له لكى يقتل سالي. يقتنع سيد أنها تستحق الموت جزاء خيانتها لسراج، ولكن ليس هذا فحسب بل يحمل سيد بداخله الضغائن تجاه سالى وسراج وبذلك يجد مبررًا لما يفعله أمام نفسه. قد يبدو أن سراج يحاول البحث عن تبرير لأفعال سيد من خلال طرح حالته أمام الطلبة أثناء المحاضرة، وتحفيزه لهم للبحث عن الأسباب التي جعلته يقدم على فعلته. على جانب آخر، تعكس علاقة “نانسي” به بحثها الدائم عن الموت، فعلى الرغم من أنها عشقته إلا أنه وهبها الموت. بينما نكتشف أن سالي قد ماتت ثلاث مرات، الأولى خلال تجربة زواجها الأولى، والثانية عندما وافقت على قوانين الحياة مع سراج دون اعتراض، والثالثة عندما قتلها سيد الجنايني. ومن ثم يتضح لنا أن الشخصيات هى من تختار مصيرها، فهم من يبحثون عن الموت وليس العكس.

بريق الحياة

تمثل نورهان الأمل الذي أوقف سلسلة الموت التي كادت ألا تنتهي، فهي صاحبة الإرادة في الحياة بالرغم ما عانته من زواجها الأول أو فقدانها لحبيبها “آدم” الذي منحها حب الحياة. كما تمثل نورهان أفكار سراج عن الحياة والحب والمجتمع التعيس الذي يحاوطنا. وعلى الرغم من تشابه تجربة نورهان وسالى إلا أن الأولى قد استطاعت تخطى الصعاب والمشاعر السيئة لتبدأ من جديد مع آدم الذي كان يدفعها للبحث عن الجمال. لذا، فهى رفضت أن تتغنى بمصير الضحية بل وقفت سريعًا بعد محنتها لترى الحياة من جديد.

لماذا عزرا؟ (الحياة والموت في رواية اسمى عزرا)

يشير سراج إلى حبه لهذا الاسم الذي اختاره ليس عن طريقة الصدفة بل يعبر عن كرهه الشديد لمن يمقتون الحياة بسبب رؤيتهم السودوية. عزرا، هو الأقرب إلى عزرائيل، ونلاحظ أن اسم الراوية يعكس مفهوم الموت الذي يخيم على عالم سراج. من ناحية أخرى، يرفض سراج لقب “الإله” الذي تحاول شخصياته إلصاقه به، بل يرى المساعدة التي يقدمها لمن يكرهون الحياة ما هى إلا نتيجة إختياراتهم.

السرد داخل الرواية:

يعد السرد وسيلة فنية يتمكن من خلالها الروائي من تقديم عمله للقارئ في لغة سلسلة تتناغم بين الفصحى والعامية تبعًا للموقف الدرامي. يكتمل بناء الراوية بتداخل الراوى العليم مع المباشر حيث يضيف لنا الراوى العليم معلومات من أجل بلورة الأحداث، ودفعها نحو التأزم بشكل سلسل. فمن خلال هذا المنظور نستكشف هذه الأجواء الغامضة من خلال وصف الأماكن والأحداث التي لا يمكن لأى شخصية عرضها بالإضافة إلى الجو العام وتداخل العوالم علاوة على التمهيد لظهور الشخصيات. من جهة أخرى، يتم إلقاء الضوء على الفكرة الجوهرية للرواية على لسان سراج، الذي يصف أحد الأفلام التي يقوم فيها البطل بتدمير مدينة بأكملها عبر نسف أساسات المنازل المترابطة. يكمن الحل لإيقاف هذا التدمير في البحث عن منزل متقدم في السلسلة وتدميره، وكأن سراج يشير إلى سلسلة الموت اللا متناهية بالإضافة إلى تقديم الحل الأمثل لإنهاء هذا الهلاك. هذا بالإضافة إلى توضيح ما يدور بداخل الشخصيات من أفكار وخواطر وداوفع على لسانها. كما يضفي التحول من صيغة إلى أخرى نوعًا من الإتساق مع طبيعة الأحداث حيث تذوب المسافة بين الراوى العليم والشخصية، وبالتالي تستطيع الشخصية التعبير عن ذاتها ومشاعرها بشكل أعمق.

سارة أبو ريا

(الحياة والموت في رواية اسمى عزرا)

إقرأ أيضاً:  برك وبحيرات البحتري، ولامارتين


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


الملاحظات أو المصادر

الملاحظات أو المصادر
1 رواية اسمى عزرا، المؤلف حسام قنديل، ببلومانيا للنشر والتوزيع، مصر،2019
⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

الآلات الموسيقية الشعبية

الخميس يونيو 8 , 2023
تمت قراءته: 1٬572 آلات موسيقية عدة، صنعها الفنان المصري وطورها، وعرفتها الثقافة والذائقة الشعبية المصرية. وكانت موسيقاها إبداعاً شعبياً متميزاً، صاحب المصريين.. قديماً وحديثاً. فشاركت في أفراحهم وأتراحهم، مرحهم وشجنهم، حبهم وغزلهم، عتابهم وغضبهم، وفي الكثير من مناسباتهم المتعددة. كونها تتسم بكثير من “التواصل” بين المؤدي، والحضور المشارك المستمع. (الآلات […]
الآلات الموسيقية الشعبية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة