اللغة العربية

بمناسبة اليوم العالمي للّغة العربية، والّذي يطلّ علينا كلّ عام في الثّامن عشر من شهر (ديسمبر)، لابدّ للمرء أن يدرك حقيقة اللّغة وما مكانتها وموقعها في النّفس، وإلى أيّ مدى تمثّل ارتباطا وثيقا بين الإنسان وواقعه ومحيطه، وأنّها ليست مشكلة، بل وسيلة من وسائل الحلّ، وطريقة من طرقه. (اللغة العربية)

اللغة العربية
مركز دراسات الوحدة العربية

إنّ اللغة هي تأريخ فهي وسيلة لكتابة التّأريخ بلسان واضح، وبعبارات مفهومة ومتعارف عليها لأبناء الثّقافة والحضارة الواحدة ووسيلة من وسائل الإتصال بالماضي وتحليله. وهي حضارة فهي معين لاينضب من التّزاوج الصّوري والإستعاري بين الطبيعة والإنسان والإتصال مع الحاضر. واللغة-أيضا- ثقافة فهي وسيلة من وسائل التّفكير وطريقة من طرقه، ووسيلة من وسائل الحفاظ على الكيان والنّصوص.

وإنّ اللغة رداء للثّقافة والحضارة والتّأريخ، تحفظ للكيان شكله ومظهره، وهي لا تقلّ أهميّة عن مسألة اللّباس، فهي كيان أمّة وهي ردائها وتوجّهها، وإن كان اللّباس الشّكلي والقبعة أيام اعتلاء (العسكر) الحكم في تركيا ممثلين بمصطفى كمال أتاتورك، وكذلك في مصر أيام وزارة النّقراشي وغيره، كان مسألة من أبرز المسائل وأعقدها، حتّى يصل الأمر فيها إلى شن حملات اعتقالات. الخ فليس من المعقول أن تهمل قضيّة مثل اللّغة أو ينظر إليها بنظرة دونيّة.

إقرأ أيضاً:  الطريق إلى التوبة والإخلاص فيها

مساحة إعلانية


إنّ تلك الدّعوات الّتي تنادي بطمس اللّغة وجرف تيّارها ليست في الحقيقة إلّا دعوات من أفراد وكيانات تكره فضائل الأمور إن أحيطت بالصّعوبة، وتريد السّهولة، وهي حقيقة متحلّية بروح الانهزام، ولعلّ أصدق ما قيل في ذلك وأوجزه، ما يقوله ابن خلدون في المُقدّمة “المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونِحلته وسائر أحواله وعوائده”.

ما الّذي يعيق اللّغة ويجعل منها سدّا وطريق عثرة أمام التّقدم؟
يقال أزمة لغة ومصطلحات!

لو نظرنا من تلك الوجهة الّتي يتحدّثون بها فسنصل حتما إلى أنّ اللّغة العربيّة أثرى اللّغات العالميّة، وأكثرها قدرة على استيعاب المصطلحات الجديدة، نتيجة للمفردات الكثيرة الّتي تحويها، والّتي تتعدى عتبة الإثنتى عشرة مليون مفردة.

وعندما تثار مسألة اللّغة العربيّة على أساس أنّها لغة غير مرنة ومنغلقة فذلك ليس بالأمر الصحيح؛ فالإنجليزيّة الّتي أصبحت اليوم لغة العلوم كانت لغة فقيرة وأخذت العديد من مصطلحاتها من اللغة اللاتينية، وبعضها من لغات أخرى منها العربيّة مثل علم الجبر ومصطلحاته. الخ

هل اللّغة العربيّة وقواعدها حجرة عثرة أمام التّقدّم؟ وتكاد تكون اللغة العربية مثلها مثل اللّغة الألمانيّة في الصّعوبة؟

إنّ القواعد العديدة واللّهجات الكثيرة تعدّ ميزة من ميزات اللّغة، وإن كان ذاك موجودا في اللغة العربيّة فتلك خاصيّة تتفرّد بها عن غيرها؛ بحيث يساعد ذلك على رفد العقليّة العربيّة وجعل الكلام موزونا، ويجعل صاحبه محافظا على كلمة تخرج من فمه.
إضافة لذلك فهو يفتح باب التّعدّد والتّسهيل.

واللغة العربية ليست قواعد مدرسة البصرة وحدها ودونها لايأخذ على محمل الجدّ، وليست اللّغة العربيّة محصورة في لغة قريش أو حيّ من أحيائها مثل بني تميم ودون ذلك ليست بلغة. وعندما نرى الحصر في حاضرنا فذلك ليس إلّا لغرض التّيسير والتّسهيل.

إنّ اللغة العربية معين لاينضب ومن الخطأ أن نظنّ أنّها عائق في سلم الحضارة والتّرقّي، ويجب تصحيح هذا الخطأ في تفكيرنا؛ فاللغة رافد من روافد الحضارة والتّقدّم، وليست معولا من معاول الهدم.

عبد الرحمٰن الحدّاد

 

إقرأ أيضاً:  قانون البيضة... والجمل!


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

سر معاناة المرأة و الرجل

الأثنين ديسمبر 19 , 2022
تمت قراءته: 1٬007 الحديث عن علاقة الرجل بالمرأة وكيف يؤثر كلا منهما في حياة الآخر بالسلب والإيجاب هو حديث قديم من قدم عمر البشرية. (سر معاناة المرأة و الرجل) تغيرت العصور وتبدلت وتباينت الأحوال والظروف ولا يزال الحديث عن هذه العلاقة حديث غض ولا يمل من الاستغراق فيه لإكتشاف زوايا […]
سر معاناة المرأة و الرجل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة