الحديث عن علاقة الرجل بالمرأة وكيف يؤثر كلا منهما في حياة الآخر بالسلب والإيجاب هو حديث قديم من قدم عمر البشرية. (سر معاناة المرأة و الرجل)
تغيرت العصور وتبدلت وتباينت الأحوال والظروف ولا يزال الحديث عن هذه العلاقة حديث غض ولا يمل من الاستغراق فيه لإكتشاف زوايا وأبعاد جديدة لطبيعة تلك العلاقة. ولما لا؟ فالمرأة والرجل هما عنصري الحياة يتشاركان معا في عمارة الأرض وبهما تستمر البشرية إلى أن يشاء الله. كلاهما إنسان يمتلكان سويا الطبيعة الإنسانية، ولكن الله اختص كل نوع منهما بصفات وخصائص وظيفية مختلفة عن الآخر. “وَأَنَّهُۥ خَلَقَ ٱلزَّوْجَيْنِ ٱلذَّكَرَ وَٱلْأُنثَىٰ ” النجم -45
دائما ما يأخذ الحديث عن الرجل والمرأة منحى دفاعي عن أحد الأطراف أو يجتهد فيه المتحدث لإنصاف بني جنسه على حساب الجنس الأخر. في بعض الأحيان نجد رجلا شجاعا محاولا أن يضع نفسه مكان المرأة ويتحدث بلسانها متفهما لطبيعتها ومبررا لردود أفعالها تجاه ما تلاقيه من شطحات الرجل الذكورية. وعلى الجانب الآخر نرى أحيانا إمرأة جريئة تأخذ خط الدفاع القوي عن الرجل ملقية باللوم كله على بنات جنسها في أي مسألة خلافية ساعية بإصرار لإبراز سطوة الرجل والاستسلام لها. ولأن المرأة والرجل معا هما عنصري الحياة البشرية فلابد من الحديث عن علاقتهما وتفصيلاتها بقدر من الموضوعية إن أمكن. فلكل منهما ميزاته وعيوبه وإصابته وإخفاقه كإنسان. ولكن تكون هناك سمات وصفات غالبة على طبيعة جنس كل منهم بدرجات متفاوتة وبالتأكيد يكون هناك أيضا استثناءات.
مساحة إعلانية
عزيزي القارئ دعنا نتحدث هنا عن أسباب معاناة الرجل والمرأة في الحياة. فبإختلاف طبيعة كل منهما ستختلف أيضا أسباب معاناتهما. ولنأخذ سببا واحدا عند كليهما أرى من وجهة نظري أنه الآفة الرئيسية التي تعكر صفو حياة الجنسين كل على حدى.
نبدأ بالمرأة لأنها الأكثر شكوى من المعاناة في الحياة عموما. المرأة كما نعلم مخلوق يهتم بالتفاصيل وتحليل الصورة العامة دوما إلى أجزاء متناهية الصغر. تأخذها هذه التحليلات إلى “عقد المقارنات” في كل شيء بينها وبين من هن في ميحطها وربما تذهب لأبعد ممن هن خارج محيطها. تعيش في صراع نفسي دائم ترى نفسها في سباق ولابد أن تفوز بأي شكل ولو حتى ظاهريا أو بالحديث عن مآثرها والتقليل من شأن الأخريات. لذلك نادرا ما نجد إمرأة تتحدث عن جمال أو تفوق إمرأة أخرى تعرفها في أمر ما.
هذا الصراع يجعلها لا تقنع بما في يدها تقارن حالها بغيرها ولابد أن تتساوى على الأقل بمن تعرفهن. فينعكس هذا بالتالي على أدائها في الحياة العامة والخاصة ويؤثر سلبا على علاقتها بالرجل. تأخذها الحياة وتفتن بالمظاهر لتتناسى قوله تعالى *وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ* الأنعام 165
خلق الله البشر سواسية كأسنان المشط ولكنه رفع بعضنا فوق بعض درجات في الرزق المادي الذي نعرفه والمعنوي منه الحكمة والفطنة والذكاء والإدراك وغيرها من النعم التي تعلي من شأن الإنسان وتميزه في الحياة. نعود مرة أخرى إلى الحقيقة الأولى والأزلية وهي أن الكل مختبر من الله بقدر ما أعطاه الله من نعم في الدنيا فمن ارتفعت درجته واتسعت نعمه عظم وصعب اختباره. فإختبار هذا الإنسان غير أخيه، فإن جاز لنا التعبير أن نقول -مفصل على مقاسه- خصيصا له بقدر ما مكنه الله من نعم. *لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا* البقرة 286
لو وضعت هذه المرأة نفسها مكان تلك التي تقارن نفسها بها ظاهريا ربما لم تتحمل الإختبار الذي وضعه الله لها.
نذهب الآن إلى الرجل الذي ميزه الله بالقوة وأعطاه القوامة على المرأة كتكليف برعايتها وتحمل مسئوليتها هي والأسرة كلها. على عكس المرأة لا يهتم الرجل مطلقا بالتفاصيل بل يحرص على الصورة العامة منضبطة دون أن يشغل باله بأي تفاصيل تزعجه.
بالتأكيد توفر له هذه النزعة قدر لا بأس به من راحة البال لكنها أيضا تتسبب له في مشاكل تعكر صفو حياته. لأنها تعزله نوعا ما عن محيطه مستهدفا راحة البال والعقل عبر آفة “الأنانية” التي لا تجعله لا يرى التفاصيل المرهقة وربما المزعجة التي تتحملها المرأة في حياتها اليومية العامة بل والخاصة أيضا في علاقتها معه. ولأنه لا يرى هذه التفاصيل أو يغفل عنها عمدا، فهو دائما يقلل من حجمها وحجم أعبائها على المرأة مستندا على قوته وسطوته. وأحيانا تدفعه هذه الآفة “الأنانية” إلى التخلي عن مسئولياته كاملة أو بعض منها في سبيل هدوئه وسلامه النفسي فيتركها للمرأة لتتحمل هي مزيدا من الأعباء.
ربما تستطيع تحمل بعضها وتخفق في البعض الآخر ومن المؤكد أن وقتها يحدث الخلل وتتفاقم المشاكل ولا يستقيم الحال كما أراد الله. نخلص هنا إلى أنه لو استطاع كل من الرجل والمرأة كبح جماح نزعته الخاصة وحاول جاهدا التخلص من آفته لتمكنا من الإبحار سويا في سفينة الحياة بسلام.
آمال حافظ
(سر معاناة المرأة و الرجل)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
آمال حافظ من مصر. تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. عملت في مجال إدارة الفنون وتنظيم المعارض. كما شاركت في فعاليات ثقافية بمنظمات المجتمع المدني ولها دراسات متعددة في مجال الإعلام.