ظاهرة تقطيع الكراسات في المدراس، تدمير أم تعبير؟

ظاهرة تقطيع الكراسات والكتب وتكسير السبورات والكراسي في نهاية السنة الدراسية من طرف التلاميذ في بعض البلدان العربية أصبحت ظاهرة وجب الوقوف عندها بجدية. فالأبناء أمانة وعجينة طرية نشكلها نحن ورعايتهم وتوجيههم متى تطلب الأمر واجبٌ ونَهْرهم متى كان ضروريًا واجب أيضًا. (ظاهرة تقطيع الكراسات في المدراس)
لا تحزنَنَّ على الصبيانِ إنْ ضُرِبُوا. فالضرب يبرا ويبقى العلمُ والأدبُ.
الضربُ ينفعُهُم والعلمُ يرفعُهُم. لولا المخافة ما قرأوا وما كتبوا

ظاهرة تقطيع الكراسات في المدراس
Bright Side

الخلفيات النفسية لظاهرة تقطيع الكراسات

الطفل عندما يريد التعبير عن نفسه فإنه يلجأ للطريقة البيولوجية الفطرية وهي الكلام، وقد يكون متنفس البعض منهم الرسم أو ممارسة هواية أو الرياضة، فتجد تلك الطاقة الكامنة داخله المنفذ الصحيح لها. إضافة لذلك فإن الطفل عادة ما يحتاج لعبارات المدح والثناء وإلى الاهتمام الذي يشعره بوجوده وكيانه. وعند افتقاد الطفل للمعجم اللغوي الذي يستطيع به التعبير عن نفسه، ثم لا يجد فضاءات تحتوي مواهبه لتكون متنفسًا له فإنه يصبح عنيفًا، ويحاول لفت الإنتباه له، وأيسر السبل حسب تفكيره السذج البسيط تكون بإظهار سلوكيات سلبية كالتكسير والتقطيع والكلام البذيء. ومن هنا تبدأ الحكاية!

نهاية الموسم في السابق وحاليًا – ظاهرة تقطيع الكراسات في المدراس

لا شيء يأتي من فراغ، فهذه الظاهرة دخيلة على المحيط التربوي إذ لم نكن نشهدها في سنوات خلت، بل كانت نهاية السنة الدراسية تنتهي بالحفلات والاحتفالات والتكريمات ولا أشك أن أحدًا منا لا يتذكر الأنشودة ” مدرستي حان الرحيل وآن أن نفترقا” التى كانت كلماتها وألحانها تجعل دموع الفراق مع العناق والمصافحات تعلو ساحات المدارس. وظهور هذه الطفرة السلبية بين أبنائنا المتمدرسين لها أسبابها، وهذا ما يجب الوقوف عنده بجدية لسبر الأسباب وتحليلها لإيجاد الحلول. فأمة ضيعت ناشئتها ضيعت مستقبلها. فهم في المقام الأول قصر ضحايا عوامل ساهمت في تنامي الظاهرة هذه.
قال صلى الله عليه وسلم: ” كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته. ”

إقرأ أيضاً:  لماذا يقضم بعض الأطفال أظافرهم؟

مساحة إعلانية


تحليل لظاهرة تقطيع الأوراق

و كتحليل بسيط لفعل التلاميذ نجد أن:
أولًا، قيمة العلم منزوعة من أنفس هؤلاء التلاميذ -القلة- وإلا ما كان ليُقدِم الطفل على تقطيع ما كتبته يداه طيلة عام دراسي كالتى تعبت تغزل الوقت كله ثم تنقضده بعد تعبٍ ونصبٍ.

ثانيًا الأخلاق، لم تغرس في هذا التلميذ القيم الأخلاقية التى تمنعه من تلقاء نفسه أن يهين العلم، لم يتشبع بالقيم الدينية والإجتماعية للتفريق بين السلوك السوي من غيره، فنشأت شخصياتهم مهزوزة إمعية يقلدون السيء ويخافون القيام بالأعمال المحمودة خوفًا من تعليقات ومتابعات زملائهم.
ثالثًا عدم الخوف من العواقب والعقاب، والمثل يقول: ” من أمن العقاب أساء الأدب”، فالقوانين التى أعطت الحق للقاصر أكثر مما يجب جعلت منه طفلًا متمردًا متسلطًا.

و مما سبق يتبين أن الأخلاق والعقاب قد غُييبا – عمدًا أو بغير عمد- من نفوس التلاميذ ولذلك أصبح المحظور مباحًا عندهم.

فمن المسؤول؟ – ظاهرة تقطيع الكراسات في المدراس

  1. أكثر من يشار له بالبنان وتمد فيه أصابع الإتهام هذه الأيام مع ظهور هذا الفعل المشين هو الولي، ولا ينفي أحد دوره في الحد – أقول الحد – من الظاهرة لكنه ليس الحل الجذري لها، فبعض التلاميذ يخافون أولياءهم ولكنهم ضحايا زملائهم ولخوفهم من نظرتهم لهم يمارونهم ويجارونهم في أفعالهم.
  2. المدرس مهمته الأساسية تكمن داخل حجرة الدراسة، نصحًا وتوعية وإرشادًا. وهنا تقف سلطته التى انتزعت منه وكان بمقدور المدرس أن يقوم الإعوجاج بكلمة وتصرف منه – كما كان له سابقًا- غير أن القوانين التى أضحت تجرم أي فعل يقوم به المدرس تجاه التلميذ بات الكل عازفًا ومتخوفًا من العواقب.
  3. المدرسة، وهنا مربط الفرس، مما نشهده أن المدرسة صارت في نظر الطفل سجنًا ومكان ضغط، لما تحتويه من برامج مكثفة محشوة لا تتماشى وقدراته الذهنية، إضافة للحجم الساعي الذي يحرم الطفل من الاستمتاع ببقية يومه، ناهيك عن ثقل المحفظة التى أثنت ظهره. فلا هو حصل علمًا ولا متعة ولا صحة.

فالمدرسة التي كانت في السابق مكانًا للتربية قبل التعليم أضحت مكانًا للتكسير والتحطيم. المدرسة التي كونت إطارات عرفت قيمة العلم وقيمة المحافظة على الكراس منذ مرحلة الإبتدائي حتى نهاية تعليمه، ولك أن تسأل أي واحد من جيل الثمانينات وما قبلها عن كراساته، فمعظمهم يحتفظ بها أو احتفظ بها لسنوات من الزمن قبل ضياعها. وهذا الشعور بالامتنان للعلم وللمعلم خلقه ذاك التعليم الممنهج الذي غَرس في الطفل منذ نعومة أظافره حب العلم وتكريمه، والقلة التى أرادت التمرد حينها كانت سلطة المعلم حينها كافية أن ترده لجادة الطريق رهبة لا رغبة.
و إذا المعلم ساء لحظ بصيرة. جاءت على يده البصائر حولا.

إقرأ أيضاً:  إجابات من كتاب الإسلام بين الشرق والغرب

مساحة إعلانية


الحلول الممكنة لمجابهة الظاهرة، الآنية والمستقبلية

مما سبق، أرى أن الجيل الحالي بنظرته الانتقامية هذه التى أظهرها في شيء هو بالأساس ملكًا له، ستسفر عن ممارسات وسلوكيات إجرامية خطيرة تتعدى أسوار ومحيط المدارس مالم يتم تدارك الوضع.
و يمكن أن يحصل هذا بنية جادة للإصلاح وإخراج التلميذ من المستنقع الذي يعيش فيه. والحل يكون على يد الأطراف التى بيدها الحل والعقد.
أولًا، حري بالوزارة أن تسليم الأمر لأهله، لينكب أهل التربية على إعداد برامج صالحة للتربية والتعليم مواكبة للعصر.
ثانيًا، مشاركة الأولياء بمتابعة أبنائهم حزمًا وحبًا وثالثًا المدرسة و الأستاذ بنصحه وإرشاده وتوجيهه. دون إغفال الطرف الأساسي في المعادلة وهو التلميذ، فمحاورة وسؤال التلاميذ للكشف عن مكنوناتهم ونظرتهم للأفعال التى يقومون بها وأسبابها ستكون معلمًا موجهًا للدارسين والمختصين.

أما من الحلول المستعجلة:

  • أولًا، عدم إعادة نشر صور تقطيع الأوراق أو أي ظاهرة سلبية، فكثيرًا ما تم استيراد بعض المظاهر عن طريق رؤيتها فقط ومتابعتها على وسائل التواصل الإجتماعي، فأميتوا الباطل بالسكوت عنه.
  • ثانيًا، على الأولياء سؤال الأبناء عن محافظهم، كراساتهم وأدواتهم ومآزرهم قبل خروجهم للمدرسة وعند عودتهم منها.
  • ثالثًا، على المدرسين متابعة النصح والإرشاد وتبيان الآثار والعواقب الدينية والأخلاقية لمثل هذه الأفعال.

هي الأخلاق تنبتُ كالنبات. إذا سقيت بماء المكرماتِ تقوم إذا تعهدها المُربي. على ساق الفضيلة مُثمِرات وتسمو للمكارم باتساقٍ. كما اتسقت أنابيبُ القناة وتنعش من صميم المجد.رُوحا بأزهارٍ لها متضوعات.

و لنعلم أخيرًا أن عدد هؤلاء التلاميذ الذين يقومون بهذا الفعل هو قليل، ولكن كبر الفعل جعله ظاهرًا فيعتقد الناس أن كل التلاميذ يقومون بهذا. كزوبعة صغيرة في وسط صحراء شاسعة، فهي صغيرة لكنها ترى من بعيد وينتبه لها الجميع.

أبناؤنا مِنْ هؤلاء الذين يقومون بهذه الأفعال ضحايا نظام تربوي فشل في تربيتهم ومحيط افتقد للمؤهلات التى تراقبهم. فلم تغرس فيهم القيم الدينية والأخلاقية التى تكون بوصلة لهم ليعرفوا الفعل الخاطيء من غيره، ولا يخضعوا لأصحاب الهوى فيؤثرون عليهم، بل يكونون هم المؤثرين والمصلحين. ففي تدميرهم وتكسيرهم هذا تعبير ورسائل للمجتمع أن اعتنوا وألتفتوا لنا وعلمونا ديننا الصحيح واجعلوا المدرسة مكانًا متنفسًا لنا نحبه ونهرب إليه لا منه.

وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا *** عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتى بِحِجىً *** وَلَكِن يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ

أ. محمد دباغ

(ظاهرة تقطيع الكراسات في المدراس)

إقرأ أيضاً:  الموروث التربوي لابن خلدون


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

عالمُ الأخوّة

الخميس يونيو 8 , 2023
تمت قراءته: 692 كلمة أخوّة هي من مصطلحات لفظ الأخ في القواميس العربية ومعناها أي السند في الحياة والكثير من الناس قد يجهل حقوق الأخوّة فلا يعلم متى تطلق ولمن تطلق عليه فيقيدون الكلمة على تسمية الأخ الذي تلده أمه فقط أو يطلقها على الجميع دون تمييز سواء كان مسلما […]
عالمُ الأخوّة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة