قصة صاحب الجنتين

بسم الله الذي صدق وعده، وحفظ الفرقان الذي أُنزل على محمد بحق قوله «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» [الحجر 9]، والصلاة على من أُنزل علية الوحيّ لأنه خير البشر، أما بعد:
فقد تناولنا سابقا قصه اصحاب الكهف ألا وهي أولى قصص سورة الكهف، والآن نتناول ثاني القصص ألا وهي قصة صاحب الجنتين، فمن هو صاحب الجنتين؟

قصة صاحب الجنتين
قصص اطفال

صاحب الجنتين

وها هو القرآن الكريم يضرب أمثالًا واقعية ذاتُ تأثيرٍ بالغٍ، وفيها العِبَر العظيمة؛ والقصدُ مِن وراء إيرادها تثبيت قلب المؤمن، وتقوية صلته وعلاقته باللهِ، ونزع الكُفر وخُبثه من قُلوب العباد، فقد ورد في القرآن الكريم قصة صاحب الجنتين، وكما يقال في صحيح السنة أن صاحب الجنتين يدعى الحارث أمّا عن جاره كان اسمه عبدالله، وقد كان “عبدالله” و”الحارث” يسكنان في منزلين متجاورين ويعملان أيضًا بجوار بعضهما الآخر، أمّا عن “عبدالله” فقد كان رقيق الحال، لا يملك الكثير من الأولاد ولا الأموال، وكان منزله متواضعًا بسيطًا متآكل الجدران، رث الأثاث، متداعي السقف، ولكن دائمًا ما كان “عبدالله” كان كثير الابتسام بشوش الوجه، فقد كان قانعًا راضيًا بما قسمه الله له، وكان كثير الحمد والثناء على نعم الله وفضله عليه، وقد كان مؤمنًا بالله، غير مقصرًا في عبادته، كما أنه كان يعمل ويكد ويبذل شديد الجهد في عمله ويتقنه، وكان “عبدالله” إذا ما دعي إلى الجهاد فر في سبيل الله وحمل سيفه مجاهدًا.

أما “الحارث” فكان جارًا لعبدالله ولكنه كان على النقيض تمامًا منه، فقد كان يسكن في بيتٍ هائل مفروش بأغلى الأثاث المغطى بالحرير، وكن يملك الكثير من الأولاد، ويتمتعون معًا بأشهى وأطيب الطعام ورغد العيش، وكان “الحارث” مازال على دعوة الجاهلية الأولى وعبادة الأصنام والأوثان، ومازال يستذل الضعفاء ويكثر من الرقيق ويسئ معاملتهم، كما أنه رجلٌ جمحَ عن دعوةِ الحقِّ، وآثرَ الضلالةَ والكُفرَ على الهُدى والإيمان، وكانَ لهُ جنتانِ، وهما بُستانانِ عظيمان، فافتُتِنَ بجمالِهِما، وأنكرَ البعثَ والآخرة وضُرِبَ هذا المثل ليُبيِّنَ عاقبةَ مَن غرَّتهُ الحياةُ الدُنيا وآثرَها على الآخرة؛ فأعماهُ مالُهُ وسُلطانُهُ، ولم يستجب لِنُصحِ الناصحين، ولم يتَّعِظ بمن سبقهُ، ولم يأخذ العِبرةَ فأغواهُ الشيطانُ، فوقعَ في شرِّ الخطيئةِ والمعصيةِ، كما قال تعالى ( ۞ وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33)) [الكهف]

إقرأ أيضاً:  رواد العلوم في مطلع القرن العشرين.. إنجازات وإخفاقات

مساحة إعلانية


إذا ما هي قصة صاحب الجنتين وجاره ذاك؟

قصة صاحب الجنتين: هي القصة الثانية الواردة في سورة الكهف بعد قصة أصحاب الكهف، وقد بيّنت القصة ما حدث بين رجلين أحدهما مؤمنٌ والآخر كافرٌ، وكان الرجل المؤمن قليل الرزق والمال إلّا أنّه كان راضيًا بقضاء الله وقدره، أمّا الكافر فقد منحه الله مزرعتين، وبسط له في الرزق ومتاع الحياة الدنيا، وما ذلك إلّا ابتلاءً واختبارًا من الله له، فأُعجب الكافر بما آتاه الله، وتكبّر على الآخرين، واعتزّ بنفسه وبما يملك، وظنّ أنّ المزرعتين أبديّتان لن تهلكا أبدًا، فما كان من صاحبه المؤمن إلّا أن ذكّره بالله تعالى، ودعاه إلى شُكر الله والإيمان به، فرفض الكافر دعوة صاحبه المؤمن، يقول المؤمن لصاحبه:
( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38)) [الكهف]، فعاقب الله -تعالى- الكافر جزاء تكبّره وعناده بإحراق المزرعتين، وندم بعد ذلك على عدم استجابته لدعوة صاحبه المؤمن.

والمحور الأساسي للقصة العقيدة، فقد بيّنت حقيقة الإنسان حين يتملّك من الدنيا الجاه أو المال أو السلطان دون أن يُرجع الفضل إلى الله تعالى، والواجب على المؤمن في مثل تلك المواقف أن يكون ثابتًا على دينه، عالمًا أنّ الذي خلقه الله، وأنّ مصيره إليه، فلا ينخدع بما يظهر أمامه من مُلكٍ زائلٍ، ويقوم بحق النعمة التي بين يديه، فيشكر الله عليها، كما تظهر في قصة صاحب الجنتين سنّة التقابل، ففيها مشهد النمو والازدهار الذي يقابله الدمار والبوار، فتكبُّر صاحب الجنتين أدّى به إلى الندم، وبيّن الله أنّ مصير الحياة الدنيا إلى زوالٍ، فيقول الله تعالى:
(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا (45)) [الكهف]

إقرأ أيضاً:  حيوانات استغلت في التجسس

مساحة إعلانية


أمّا عن الفوائد المستفادة من قصة صاحب الجنتين منها

  • أخذ العظة والعبرة من حال من خدعته الدنيا بما أظهرت له من الملذات، وعدم عصيان الله أو نسيان الآخرة.
  • التكبّر الحاصل عند صاحب الجنتين لا يرجع إلى التحدّث عن نعمة الله؛ وإنّما ذلك من باب الغرور.
  • النعمة التي ينعم الله -تعالى- بها على عباده هي مُلكٌ لله، يؤدي الإنسان حقّها بالشُكر، وإن لم يستخدمها في طاعة الله لا تتحقّق منها أي فائدة، وتكون سببًا في بطلان أعماله.
  • ينعم الله على عباده ليبتليهم وينظر هل يشكرون أم يكفرون.
  • كلّ النعم ما عدا الإسلام والإيمان معرضةٌ للزوال، وهما النعمتان الحقيقيتان وإن كان كلّ ما سواهما قليلًا فكلّه زائل ولا يُفيد يوم القيامة.

وفي النهاية

كانت ومازالت قصص القرآن تضرب لنا الكثير والكثير من الحكم والمواعظ التي تثبت قلب المؤمن علي طريق الحق والهداية.

سارة عبدالله “أناندا”
كاتبة ومنشدة وقارئة

(قصة صاحب الجنتين)

إقرأ أيضاً:  الأطباء المُبجلون عند قدماء المصريين


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

خطوات البحث التدخلي التربوي: نموذج تطبيقي حول السلوك الانفعالي للمتعلم

الأربعاء يوليو 27 , 2022
تمت قراءته: 1٬045 خطوات البحث التدخلي التربوي: نموذج تطبيقي حول “السلوك الانفعالي للمتعلم (ة) وأثره على التحصيل الدراسي”. تمهيد – (السلوك الانفعالي للمتعلم) إن هذا المقال هو عبارة عن نموذج خطة بحث تدخلي تربوي، موجه للفاعلين بالمجال التربوي يهدف إلى تقديم مثال منهجي حول هذا النوع من البحوث. (السلوك الانفعالي […]
السلوك الانفعالي للمتعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة