ذاكرتنا من ذاكرة الكون
إن أردت أن تشرب ماءً، فإنك تأتي بكأس فارغ نظيف وتملأه بالماء ومن ثم تشرب. ولا تستطيع شرب ماء لتشفي عطشك بكأس مليئة بزيت عكر. هكذا النفس عندنا تَعَكر زيتها ومزاجها وصفائها، فما الحل؟ كيف ننظف ذاكرة اللاوعي؟
الآن وبعد تداول الأمم وتداول كُتب أنفسنا نحيا “القسط بالميزان” ونرى نتائج أعمالنا في جميع العالم من فقر وحروب وطغيان.
(لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الممتحنة 8]
الرومي قرر أنه سيغير نفسه وهو العالم الجليل بعلوم القرآن، والذي اعتلى منابر قومه بعلو علومه. وما إن دخل شمس التبريزي حياته حتى قلب له كل الموازين التي يعرفها. كانت علومه عقلانية نورانية لكنها لا تكتمل إلا بعلوم القلب والروح. فبزغت شمس روحه وحلق عاليًا بروحه النقية مُتجاهلًا انتقادات الناس اللاذعة له ولشمس التبريزي.
ما عمله الرومي هو إفراغ كأس النفس لتمتلئ من عصير خمر الروح. ولا تستطيع إفراغ كأس النفس إلا بالاعتراف أنها مليئة بزيت عكر من حصيلة مجموع كتاب النفس من حيوات قبل. إن حصل الاعتراف تبدأ بالتنظيف والتطهير لإنائك. ويمكنك معرفة زيت النفس العكر من محيطك والأشخاص المقربين منك، فهم صور لك من حيوات قبل وحياة الآن. وكما قال المسيح عليه السلام “إعرف عدوك” هو معرفة نفسك وعدوك هو ذاكرتك الملوثة بتراكماتها من معتقدات خاطئة، ذكريات خلوية مُدمرة، مشاعر سلبية، أمراض نفسية وأمراض جسدية كلها مُختزنة في ذاكرة اللاوعي عندك. ولابد من مسحها كما مسحها المسيح عليه السلام فما كان يجالس إلا الزُناه والسارقون والآثمون، ولم يكن يخجل من فعل هذا فهو المُخلص للنفس الواحدة وهو عنده الوعي المُستنير الراقي أن من حوله هم أجزاء من النفس الواحدة ونفسه جزء منها. فلا تستقيم الأمور ولا يتم نور الله إلا ببعث النور بكل النفوس.
طرق لتنظيف ذاكرة اللاوعي – كيف ننظف ذاكرة اللاوعي؟
- نبدأ بتنظيف الذاكرة أولا بالاعتراف أننا ظلمنا أنفسنا وظلمنا غيرنا. وإن لم نعترف بذنوبنا سنبقى في سعير الفكر ومآسي الحياة.
(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11)) [الملك] (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) [يوسف 29] - بعد ضرورة الإعتراف، السماح لصور من حولك أن تمر أمامك وقبولها على أنها تعكس حقيقة نفسك دعها تمر بسلام ولا تنكر ولا تتنكر لما حولك فقد يكون زوج قاص أو إبن عاص أو مدير قناص أو قريب غواص (يزج أنفه بأمورك الشخصية). أي تقبل أي شخص في حياتك دون تكبر أو امتعاض وكره لوجوده بحياتك.
- نمتن ونشكر هذا الشخص لإتاحته الفرصة لنا لنرى ونُميز هذا الخُلق أو الصورة في حقيقة أنفسنا، أي خُلق هذا الشخص موجودة في داخلي وأنا أعاني الآن من تقبلها لرفضي أن أصدق أن يوم من الأيام كنت مثله.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [ابراهيم 7] - اعتذر عما بدى منك تجاه هذا الشخص قلبيًا. فإن الأرواح تسمع بعضها وتقبل اعتذار الشخص عبر الأثير، على أن يكون هذا الاعتذار صادق ونابع من القلب.
(وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) [يوسف 84] - طلب المسامحة والغفران من هذا الشخص (مرر واسمح لي وسامحني كي أستطيع مُسامحة نفسي) وذلك بترديد دعاء ذا النون: (… أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء 87]
- نستبدل مشاعر الكره بمشاعر الحب. فبعد الاعتراف والقبول وطلب المسامحة، لا ينفذ هذا القبول إلا بسلطان الحب. “أنا أحبك” هي مفتاح القلوب، وهي إرسال طاقات حب صادقة من قلب سليم، ومن عقل واعي بما يطلب تجاه هذا الشخص.
(بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) [آل عمران 76]
لن نستطيع أن نرى مدى قوة فاعلية هذه الذبذبات على كيميائية الدماغ وقوة فاعليتها على فتح القلوب للتصافي ولتصفية الأثير من الآثام والعذابات والنوح والملام والظلم وفتح مسارات النور لتلتهم الظُلمات والطاقات السلبية.
عند حضور أي شخص أمامك وتشعر أنه يزعجك، اشكره لوضوح صورتك فيه، وقم بعمل هذه المُسامحة للنفس وهي يوم التلاق مع الروح. كل هذه الرياضة والتمرين للنفس هو للوصول لحالة السكون (الصفر) مرحلة اللا تفكير المادي وهو رغبة منك لتلقي الوحي وتنزيل الملائكة والروح عليك.
الكاتبة والمدونة التونسية
آمال السعودي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
آمال السعودي، تونسية، خريجة معهد الصحافة وعلوم الأخبار بجامعة منوبة، مدونة وكاتبة ضمن شبكة مدونات الجزيرة من 2018، وصحيفة ضمن راديو مارينا، ومراسلة صحفية ضمن شبكة مراسلون بلا حدود، كذلك عملت مصورة صحفية ضمن الصحافة الرقمية، تحب السفر، البحوث العلمية والدينية، والاهتمام بالجانب النفسي، وتحب الأعمال الخيرية.