أحيانا يسأل الإنسان نفسه لماذا خلقت؟ وما سبب وجودي في هذه الحياة الدنيا؟ يفكر قليلا وتأخذه الذكريات يمينا ويسارا، طولا وعرضا عبر مشوار حياته ليشعر وقتها بمجموعة من المشاعر المركبة المختلطة بين الزهو والحنين والندم والحيرة وغيرها من المشاعر التي تذكره بما مر به في رحلته. ثم يفطن أن الحياة بكل ما فيها من حلو ومر يمر وكل ما كان مستغرقا في إتمامه أخذ وقته وأنتهى. في هذه اللحظة يجول الموت بخاطره، فهو حتما منتهي كما أنتهى الآخرون. إن طال الوقت أو قصر فلابد وأن تأتي لحظة هذه الحقيقة المؤكدة. يتذكر حينها الآخرة ويتذكر معها كلام الله عز وجل {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون} الذاريات (56). (مقالة: لماذا أنت موجود؟)
خلق الله الإنسان على الأرض بفطرة سليمة فطر الناس عليها ولعلمه جل جلاله بشئون خلقه أرسل لهم على مدار عمر البشرية الرسل والأنبياء مبشرين ومنذرين ليأخذوا بأيديهم إلى طريق الحق بإتباع دين الله. فالسير في الحياة لا يخلو من التعرض للزيغ والإضلال والبعد عن فطرة الله عز وجل.
وبهذا لا يكون للناس على الله حجة وقت الحساب يوم القيامة. دين الله هو بمثابة المنهج الدال على طريقة عيش الإنسان في الدنيا حتى يعبر رحلته فيها بسلام ويحقق به مراد الله من خلقه. فقد خلقنا الله لنعبده وحده ولا نشرك به شيئا. منحنا الخالق في دينه الدليل الإسترشادي لتسيير الماكينة الإنسانية إن جاز لنا أن نسميها فهو خالقها ومصورها ويعلم كيف تصل إلى الهدف الذي خلقها من أجله. جعل لكل أمة من عباده شرعة ومنهاجا ليبلوهم ويختبرهم في ما آتاهم. حدد لكل أمة شريعة عبارة عن مجموعة من الأوامر والنواهي والأحكام خاصة بها تناسب أحوالها والاختبار الذي اختاره الله لها.
(لماذا أنت موجود؟)
فالأصل في وجود الإنسان على الأرض هو الإختبار ليرى الله من يعبده حق عبادته ويخشاه بالغيب. في كل لحظة يختار فيها الإنسان إختيار معين يسلك به مسار قدره الله ولكنه كان هو صاحب الاختيار وكان هذا هو الإختبار الذي وضعه الله فيه. وكان إتباع شريعته ومنهاجه هو سبيل اجتياز هذا الاختبار. الإنسان مكلف ومحاسب بما مكنه الله من نعم ومبتلى بالخير والشر معا. مكلف بتنفيذ أوامر الله وأحكامه والبعد عن ما نهى عنه حتى وإن لم يرى أو يستوعب الحكمة من ورائها.
يمر الإنسان في الحياة بظروف ومواقف صعبة تتطلب منه أخذ قرار إما ينفذ فيه ما أمر الله ولا يمس حدوده أو يستسلم لوساوس الشيطان الذي يزين له عدم إتباعها. نجد على سبيل المثال أناس حائرون في الحكمة من وراء ميراث أخ لأخته المتوفية ولم تنجب سوى بنت واحدة، عاشت طيلة حياتها وحيدة تربي بنتها لأنها مطلقة ولم تتلقى يوما أي دعم او عطف من هذا الأخ. تشعر الفتاة هنا أن أمها المتوفية ظلمت وتسأل ما الحكمة من تنفيذ شرع الله الآن؟ فهي تعلم أن الخال لن يراعي حقوق القربى معها. ربما لم تدرك الفتاة أنها وضعت في إختبار هي وخالها أمام الله لأن المواريث من حدود الله التي لا يمكن المساس بها كما فصل جلى وعلى في محكم آياته. حتى وإن لم يستطع أحد إجابتها على سؤالها فهي مكلفة بإتباع ما أمر الله به. * تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * النساء (13) ثم يحاسب الله الجميع ويفصل بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون. وللحديث بقية إن كان للعمر بقية إن شاء الله.
آمال حافظ
(لماذا أنت موجود؟)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
آمال حافظ من مصر. تخرجت في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. عملت في مجال إدارة الفنون وتنظيم المعارض. كما شاركت في فعاليات ثقافية بمنظمات المجتمع المدني ولها دراسات متعددة في مجال الإعلام.