يعد الضوء سرًا من أسرار الحياة، وضرورةً من أجل البقاء، فبدون الضوء يموت النبات، وبالتالي يتضور الإنسان والحيوان جوعًا واختناقًا، إذ أن الضوء أساس عملية التمثيل الضوئي (أو ما يُعرَف بالبناء الضوئي) في النبات؛ حيث تتحول أشعة الشمس إلى طاقة كيميائية – مختزنة في صورة سكريات – تمكن النبات من التنفس والنمو، ويقوم النبات بتحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أكسجين، فيتنفس الإنسان والحيوان، كما أن الضوء وسيلة الأحياء للسعي في نيل متطلبات الحياة اليومية، ومع تقدم الحياة وتطور العقل البشري استطاع الإنسان توظيف الضوء في كل مناحي الحياة، واستطاع تيسير شئون عمله ومعيشته. [1]“الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم” – مايكل هارت – نسخة مترجمة – دار المعارف – إصدار … Continue reading [2]“كون آينشتاين” – ميشيو كاكو – الطبعة الثانية – 2012. [3]تصوير اللامرئي فوتوغرافيًا بأربعة أبعاد” – د. أحمد زويل – مقال منشور بمجلة Scientific American – عدد 27– يناير/ … Continue reading [4]“التلوث الكهرومغناطيسي – شر لابد منه” – د. أحمد شعلان – مقال منشور بمجلة العربي العلمي – عدد 30 – … Continue reading [5]موسوعة “ويكيبيديا” على شبكة الإنترنت – صفحات ( ابن الهيثم – أحمد زويل – إسحاق نيوتن – ألبرت آينشتاين … Continue reading [6]“Sears And Zemansky’s University Physics: with modern physics”- Hugh D. Young, Roger A. Freedman – 13th edition- 2004.
أهمية الضوء في العصر الحديث
لم يعد الضوء مجرد وسيلة للرؤية كما كان قديمًا، بل أصبح وسيلة الاتصال والتواصل بين الناس في مختلف أرجاء العالم – من خلال اختراع الراديو والتليفزيون والكمبيوتر والهواتف الخلوية – وهي كلها تعتمد على الطبيعة الكهرومغناطيسية للضوء، وتقوم عليه الآن علوم الطب والفلك والهندسة البصرية وغيرها، فالنظارات والميكروسكوبات والتلسكوبات وأجهزة المسح في المطارات وأجهزة الباركود والطابعات وأجهزة التصوير الفوتوغرافي والتصوير التجسيمى (Hologram) ماهي إلا تطبيقات عملية للضوء بتردداته المختلفة، وكذلك أجهزة الرصد وأفران المايكروويف وأجهزة القياس المعملي (وبالتحديد مقاييس الطيف الضوئي /Spectrophotometry )، وأجهزة الفحص الطبي – بما في ذلك جهاز أشعة إكس والسونار والرنين المغناطيسي والأشعة المقطعية – كل ذلك يُعَّد غَيضًا من فَيض من خيرات الضوء وثماره التي لا تنقطع.
أما عن استخدام الضوء في الصناعة فحدث ولا حرج ، فالليزر والميزر (وهو نوع آخر من الليزر يعتمد على أشعة الميكروويف) والأشعة فوق الصوتية والأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية وأشعة إكس بدونها يستحيل إتمام صناعات المعادن والبلاستيك والزجاج والمجوهرات، بل إن مجال الرقابة على الصناعات لا ينجح بدون الضوء؛ فأغلب وسائل الكشف عن الغش وتزييف المعادن والسبائك والمجوهرات تعتمد على أشعة إكس وحيودها في البلورات.
ومن الضوء ما قتل!
على الرغم من الاستخدامات الطبية للضوء – والمتمثلة في جراحات الليزر والمناظير والاستخدامات العلاجية للأشعة في القضاء على الأورام وغيرها – إلا أن للأشعة أضرارًا جسيمة إذا لم يتم التعامل معها بحذر، وخاصة أشعة التأين (Ionizing radiation) مثل أشعة إكس وأشعة جاما؛ حيث تتراوح طاقتها ما بين آلاف وملايين الوحدات من الإلكترون- فولت، فالتعرض لها بشكل مفرط – وبدون إشراف طبي – قد يتسبب في الإصابة بالسرطان، كما أن تعرض العين لأشعة الليزر بشكل عشوائي قد يتلف الشبكية، وحتى أشعة الشمس -رغم أهميتها للجسم- إلا أنه يفضل عدم التعرض لها بإفراط لأنها قد تستحث حدوث الطفرات وسرطانات جلد، وقد استغل الإنسان مخاطر الأشعة على الخلايا في عمليات تعقيم الأسطح باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، حيث تُحدِث تلك الأشعة خللًا قاتلًا في أنوية الخلايا الميكروبية.
استكشاف أسراره عبر التاريخ
مع اهتمام الإنسان بالعلم وإدراكه لأهمية الضوء سعى العلماء لفهم أسرار الضوء وسبر أغواره، وبدأ الإنسان يفكر كيف نرى الأشياء، وكان الاعتقاد الأولي أن العين تصدر الضوء فتبصر الأشياء، لكن سرعان ما بَطُل هذا الاعتقاد على يد عالم البصريات العربي – الحسن بن الهيثم (965- 1040 م) – والذي صحح مفهوم الرؤية بأن الضوء يسقط على الأشياء فينعكس على العين فتراه، والضوء الأبيض يسقط على الأشياء كحزمة من الترددات، فتُمتَص بعض تردداته وما يتبقى منها ينعكس على العين فتراه بألوانه الزاهية.
وأقرب مثال على ذلك الفراشات الحقلية؛ إذ كان الاعتقاد السائد في البداية أن ألوانها الزاهية ناتجة عن وجود صبغات على أجنحتها، لكن عندما تم فحص أجنحة فراشة زرقاء –ووضعت تحت المجهر- تبين أنها غير مصبوغة و لا ملونة بالمرة، بل هي مكونة من حزم سوداء مائلة إلى اللون البني، وسبب رؤيتها زرقاء يعود إلى ترابط تلك الحزم فتعمل كمرآه أو كسطح عاكس لبعض ترددات الضوء لا أكثر.
ومنذ حين والإنسان يتساءل عن حقيقة الضوء وماهيته، هل هو مجرد شعاع؟ أم ماذا؟ .. وظلت فكرة ومصطلح شعاع الضوء باقية حتى اليوم – وخاصة في مجال البصريات (Geometrical optics) – رغم عدم دقة هذا المصطلح؛ إذ أن الضوء لا يسير في خطوط مستقيمة ولكنه يتموج. وقد تعامل إسحاق نيوتن (1642 – 1727م ) بهذا المفهوم ومن قبله الحسن بن الهيثم وكانت لهما إسهامات جليلة في هذ المجال.
الضوء يتموج
وتبين أن الضوء عبارة عن ذبذبات أو موجات، وهي موجات مُستعرَضة تنعكس وتنكسر، فهي تنعكس على الأسطح والمرايا، وتنكسر عند مرورها بين أوساط مختلفة في الكثافة، كما في العدسات، وبخلاف موجات الصوت -التي تحتاج إلى وسط مادي تنتقل فيه- تبين أن الضوء موجات كهرومغناطيسية تستطيع الانتقال في الفراغ، ولا تحتاج إلى وسط مادي كالهواء لكي ينقلها.
كما تبين أن الضوء يتداخل، والتداخل خاصية من خصائص الموجات، فحين تتلاقى موجتان ضوئيتان لهما نفس الطور ويسيران في نفس الاتجاه فإن الموجة تتعاظم، ويسمى هذا التداخل تداخلًا بناءًا (Constructive interference)، أما إذا تلاقت موجتان لهما طوران مختلفان أو تسيران في اتجاهين متضادين فإن الموجات تتضاءل أو تتلاشى، ويسمى التداخل حينئذ تداخلًا هدميًا (Destructive interference). ولم يعد الضوء محصورا في الضوء المرئي، بل تبين أنه قطاع كبير جدًا من الترددات، ويمكن ذكر تصنيفاتها بالترتيب التصاعدي حسب التردد كالآتي:
- ترددات موجات الراديو (Radio waves)
- الموجات فوق الصوتية (Ultrasonic)
- الموجات تحت الحمراء (Infrared)
- موجات الضوء المرئي (Visual light)
- الموجات فوق البنفسجية (Ultraviolet)
- أشعة إكس (X-rays)
- أشعة جاما (Gamma rays)
وجميع تلك الترددات لا ترى بالعين، باستثناء نطاق الضوء المرئي وهو نطاق ضيق.
وبعد ذلك عاد مفهوم الجسيم لينطبق على الضوء من جديد، حيث اتضح أنه لا يتعامل فقط كموجه تتشتت وتحيد في الثقوب الضيقة، بل له خواص جسيمية تجعله يبدو كـ “كرة” تكسبه القدرة على الانبعاث والامتصاص، وسمي الجسيم الضوئي بالـ “فوتون”، ولقد تجلى هذا المفهوم بوضوح في ظاهرة “التأثير الكهروضوئي”، والتي نال بموجبها العالم الألماني “ألبرت آينشتاين” (1879- 1955م) جائزة نوبل عام 1921، حيث أثبت أن سقوط كمٍ من الطاقة -بشكل مركز- على أحد إلكترونات التكافؤ على ذرات سطح المعدن –بشرط توفر التردد الكافي- يوفر طاقة تكفي لتحرير هذا الإلكترون المستهدف وينبعث الضوء من المعدن.
وقد نجحت أبحاث وتجارب ماكسويل (1831-1879 م) في تحويل الكهربية إلى أشعة ضوئية، وأصبح مفهوم الازدواجية –بمعنى موجه وجسيم في نفس الوقت- هو الوصف الأمثل لكل من الفوتون والإلكترون، ولا يزال العلم يسعى لفهم أعمق للضوء، وحل ألغاز هذا الجسيم الموجي المعجز.
قوة الضوء
لقد أحرز التطور في مجال الإبصار والتصوير تقدمًا هائلًا في إدراك طبيعة الأشياء ودراستها، فبعد أن كانت الصور بالأبيض والأسود في مطلع القرن العشرين، أصبحت صورًا فوتوغرافية ملونة -بالألوان الحقيقية- كما تراها العين، وتحولت من صور جامدة إلى صور متحركة “فيديو”، وبعد أن كانت الكاميرات والعدسات تلتقط صور الأشياء التي تقع في نطاق الضوء المرئي أصبحت العدسات المستخدمة ذات معامل تكبير عالي جدًا، واستطاع المجهر أن يرصد الخلايا والميكروبات بعد تكبير يصل إلى 10 آلاف مرة، وبعد ذلك ظهر الميكروسكوب الإلكتروني الذي يعتمد على الطول الموجي للإلكترون والذي يجعل معامل تكبير الصورة أكبر مليون مرة من حجمها الطبيعي، وساعد اكتشاف الفيمتوثانية -على يد العالم المصري الراحل د. أحمد زويل (1946- 2016م) وفريقه- في تطوير تقنية التصوير ثلاثي الأبعاد بسرعة الفيمتوثانية، ولك أن تندهش عندما تعلم أن النسبة بين الفيمتوثانية إلى الثانية كالنسبة بين الثانية و 32 مليون سنة، ولا شك أن تلك التقنية ستسهل علينا مراقبة حركة الجزيئات متناهية الصغر.
ولا تقتصر قوة الضوء على الرؤية، بل يستطيع شعاع الليزر عالي الطاقة أن يشق الصلب ويثقبه، وينحت السبائك، وله من التماسك ما يمكنه من الصعود إلى القمر والعودة في نفس نقطة انطلاقه بدون أي انحراف أو فقد أو تشتت، كما تسعى وكالة ناسا الفضائية لصنع كابلات من الليزر -شبيهة بفكرة كابلات المصاعد (الأسانسير)- تحمل رواد الفضاء والسفن الفضائية في رحلتهم إلى الفضاء الخارجي.
وبإمكان أشعة الليزر إجراء عملية قطع وتضميد الجروح واستئصال الأورام وعمليات العيون وتفتيت حصوات الكلى، وبإمكانه قطع ولحام المعادن، كما تعددت استخداماته العسكرية في الدفاعات الجوية وتدمير أهداف العدو.
وليت الأمر يتوقف عند ذلك، بل استطاع شعاع جاما عالي التردد وفي ظروف معينة أن يتسبب في تخليق جسيمان متضادان -وهما الإلكترون والبوزيترون– ثم يختفي الفوتون بعد ذلك ويتلاشى، في خطوة سريعة خاطفة هي الأروع في تاريخ العلم، ليثبت فيها الضوء أنه سر من أسرار الخلق، فسبحان الخالق الذي سمى نفسه “النور” وأثبت قيوميته على الكون كله حيث قال: “الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ..” النور – 35.
د. عمرو يحيى
طبيب بيطري ومُنَظر علمي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
د. عمرو يحيى من مصر. تخرج من كلية الطب البيطري جامعة القاهرة، اتجه إلى ممارسة الطب البيطري بالريف المصري منذ ١٣ عامًا، يهوى الكتابة وعمل النظريات الفيزيائية وإقامة الندوات العلمية، له كتابان منشوران في علوم الطب البيطري على موقع خاص به، وله مقال منشور بمجلة نيويورك ساينس. يحب الابتكار والقراءة والإلقاء، وحضور المهرجانات الثقافية.
الملاحظات أو المصادر
↑1 | “الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم” – مايكل هارت – نسخة مترجمة – دار المعارف – إصدار 2005. |
---|---|
↑2 | “كون آينشتاين” – ميشيو كاكو – الطبعة الثانية – 2012. |
↑3 | تصوير اللامرئي فوتوغرافيًا بأربعة أبعاد” – د. أحمد زويل – مقال منشور بمجلة Scientific American – عدد 27– يناير/ فبراير 2011. |
↑4 | “التلوث الكهرومغناطيسي – شر لابد منه” – د. أحمد شعلان – مقال منشور بمجلة العربي العلمي – عدد 30 – يونيو 2014. |
↑5 | موسوعة “ويكيبيديا” على شبكة الإنترنت – صفحات ( ابن الهيثم – أحمد زويل – إسحاق نيوتن – ألبرت آينشتاين – الفيمتوثانية – الليزر). |
↑6 | “Sears And Zemansky’s University Physics: with modern physics”- Hugh D. Young, Roger A. Freedman – 13th edition- 2004. |