من أهم لبِنات تماسك المجتمع، بل إن شئت فقل اللبنة الأولى في تكوين مجتمع متماسك، هي العلاقة الجيدة للأسر. ولما خلق الله الخلق، جعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا [1]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ … Continue reading، ووضح سبحانه وتعالى أن الإكرام عنده بالتقوى، وخلاصة التقوى هي الامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه. (العلاقة الزوجية)
ولما وجدت كثيرًا من العلاقات الزوجية مفككة ومنهارة، والتي بسببها ينهار أي مجتمع، أحببت أن أكتب مقالتي حول هذا الموضوع.
العلاقة الزوجية وما يجب أن تكون عليه
لِرَأب صدوعٍ كثيرة، وتقطُّع أرحام غفيرة، وتشريد أبناء لا حول لهم ولا قوة، حيث أن غالب الانفصالات تحدث في السنين الأولى، ويكون الأطفال في بداية نعومة أظافرهم.
وسأسرد في مقالتي هذه بين يدي حضراتكم بعضًا من أسباب تقطع العلاقات الأسرية، مع ذكر ما أراه من حلولٍ لهذه الأسباب.
وهذه الأسباب تنقسم إلى قسمين أو ربما ثلاثة:
فأما بداية الأقسام وأولها
هو الاختيار بعشوائية، أو ترك الاختيار للغير، أو ربما يكون ذلك الاختيار تبعًا لعواطف في فترة يكون فيها الشاب أو الفتاة في تعطش لأي حالة عاطفية. فتجد أحدهما أو كلاهما مع أول إعجاب أو علاقة يَدَّعي “إما أن تدوم هذه العلاقة أو أن تنتهي حياته”. وإذا أراد أحد نُصحه، فعلى عينيه غشاوة أو تُصم أذنيه. وهذا النوع عادة ما لا يكتمل مشوارهما، لعدم توافر أسباب الارتباط الحقيقية. وغالبا يكون الأمر لتقارب السن أو لعدم توافر الباءة لدى الشباب وخاصة الاستطاعة المالية.
ولو قدر واستمر الأمر، فلا تدوم تلك العلاقة، لفتور ذلك الحب بعد لقاء الأحبة. لأنه بالرغم من عاطفية العلاقة، إلا أن المتغلب الجانب الجنسي، الذي ربما سرعان ما يندم كلاهما من التسرع بعد الحصول عليه.
أما القسم الثاني
فهو ذلك الشاب التائه أو تلك الفتاة التي تخشى أن يفوتها شيء من النعيم، ويستسلمان لشخص غير أمين، لا هدف له إلا أنه (وفق رأسين في الحلال)، فلا نظر لتكافؤ اجتماعي ولا ثقافي ولا اقتصادي ولا ديني. وكل تلك التكافؤات لابد من توافرها قدر المستطاع عند الاختيار، لأنها من الأسباب الرئيسة في نجاح تلك العلاقة. فإن لم يُقدر الله لهما الاستمرار، تجدهما للفراق أقرب منهم إلى الاستمرار.
وهاتين الحالتين قد يغيب فيهما عدم الإدراك وعدم الوعي، وعدم الدراية بالميثاق الغليظ والشراكة الأسرية التي عظمها الله ورسوله وعظمها ديننا الحنيف بل وكل الشرائع التي سبقتنا. وكذلك عدم الوعي وعدم غرس روح المسؤولية عند الطرفين من كبار الأسرتين، فلا تُنقل خبرات لهؤلاء الشباب المتحمس، المتعطش لفكرة الزواج بأي ثمن وأي وسيلة، فتُكَوِّن تلك العلاقات أسرًا هشة، أسرًا متهالكة قبل إنشائها.
وأما آخر هذه الأسباب وتلك الأقسام
والذي يكون بعد الارتباط، ويكون غالبًا من الجانبين، مع التحفظ أيهما سعى له اولًا.
ألا وهو عدم تحقيق التقوى التي ذكرتها في بداية مقالتي. حينما ترى أحد الزوجين لا يتقي الله في شريكه، وتجد المصالح الخاصة مقدمة على المصالح العامة داخل تلك الأسر، تجد أن المتحكم الأول في أي خلاف هي الأهواء والأمزجة ومحبة إثبات الذات وفرض الرأي، فتجد هوىً متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، والسماع لوسوسة شياطين الجن، ومن قبلهم شياطين الإنس، فتنهار تلك الأسر التي يترتب على انهيارها انهيار لمجتمع بأكمله.
حلول لاستقرار العلاقة الزوجية
وسأعرض بعضًا مما أراه حلًا لهذه الأمور، تاركًا للقارئ أن يزيدني ويمدني بما أوتي من خبرة وعلم، لنتناقش حول هذه الحلول من خلال التعليقات الناصحة البناءة، فكل منا فقير لعلم غيره.
- وبدايتها أن يكون ويبدأ من الوعي والإدراك والثقافة الدينية، بالقدر الكافي للمقدرة على الاختيار الجيد، ويكون كذلك بمساعدة (العقلاء) من أصحاب الخبرات.
- التكافؤ الثقافي والديني والمادي والمجتمعي، أو التقارب إلى حد ما، فهذه التكافؤات من أهم أسباب النجاح الأسري.
- السبق عند الأسر الكبيرة فتيانًا وفتياتًا على تحمل المسؤولية وتقديم يد العون والمساعدة، وجعل ذلك ممتدًا إلى ما بعد الزواج، ويكون خالصًا لله، لا لكسب معارك وتحدث عن بطولات. ومحاولة نكران الذات، والعمل الجاد، لإنجاح هذه الأسر الصغيرة التي سوف تكبر في يوم ما وتنقل تلك الخبرات.
- المسابقة والمسارعة من الجميع، والذي يرتبط ارتباطًا مباشرًا بتلك الأسر وكذلك الزوجين، ومحاولة الجميع تحقيق التقوى، والتي تكون بدورها الركن الأعظم في مساعدة تلك الأسر على المواصلة وتحدي منغصات الحياة.
- وأخيرًا وليس بأخر، إن لم توجد المودة في بداية الزواج، فلا يكون في آخره رحمة. والمودة هي الميل القلبي لكلاهما، والتغافل من جانب الرجل، والطاعة من جانب المرأة، لأمر عظيم لاستقامة تلك اللبنة التي تعمل على تماسك البنيان.
فمن رُزق صبرًا لقراءة مقالتي، فلا يحرمني أن أستزيد من نُصحه، فإنه موضوع من الأهمية بمكان. حفظكم الله وحفظ أسركم وألهمنا وإياكم الحكمة والرشد من أمرنا. طابت أوقاتكم بكل خير.
كتبه
محمد بدر
معلم بالتربية والتعليم بمصر
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد خيري بدر من مصر. تخرج من معهد دراسات تكميلية بدمياط وعُين معلم بمدرسة ثانوية صناعية، وتوجه بعدها للقراءة والكتابة الاجتماعية، ومن هواياته الرسم.
الملاحظات أو المصادر