نفسك أعدى أعدائك

نعتقد أننا نعرف ذواتنا والحقيقة هي أننا في رحلة استكشاف أبدية لهذه الذات. (نفسك أعدى أعدائك)

نفسك أعدى أعدائك
Adobe Stock

هذه الذات الدفينة الصامتة المختبئة بين أكوام الأفكار وفيضان المشاعر، تقبع صامتة أو متمردة، ثائرة أو خانعة ولكنها دائمًا مختبئة، لذلك تحمل لنا أكثر المفاجآت وذلك لأننا نعتقد وبثقة ساذجة أننا بالفعل نعرف أنفسنا، وأننا نعرف الطرقات الواضحة والخفية لهذه النفس التي تتخفى وتظهر والتي تلعب كل الأدوار أو ترفض لعب أي دور.

وبمقدار ثقتنا بهذه المعرفة الزائفة تزداد حدة الصدمة أو المفاجأة، لذلك فقط الحكماء حين يُطلب منهم اتخاذ قرار هام يقولون وبهدوء شديد: سوف أفكر في الأمر، أحتاج لبعض الوقت لأحدد موقفي. لأنهم أدركوا وبواقعية شديدة أنه يجب الحذر من هذه النفس الصامتة وأنه ما تقرره اليوم قد يصبح كارثيًا في الغد.
وهل هذا يعني أن الانسان يعيش في متاهة ذاته التي قد يكتشف بأنه لا يعرفها حق المعرفة، بالطبع لا، المشكلة تكمن في الغرور الذي ينتاب الانسان حين يقرر بكل ثقة وحين لا يفكر مرتين، وحين يعتقد أنه سوف يستطيع الصمود بمواجهة قرار مصيري تم اتخاذه دون أن ينظر إلى واقعية الأشياء من حوله وأن كانت نفسيته لديها الطاقة الكافية لتحمل نتائج قرار ما.

فرغم أن هذه الذات جزء من كل انسان إلا أنها وبزاوية ما تبدو منفصلة عنه وأنها يمكن أن تخونه بأي لحظة، وذلك بلحظات الضعف النفسي، بلحظات الضغط العاطفي والاجتماعي والمادي، فمثلما لا نعلم مدى صمود أي بيت بمواجهة زلزال ما أو فيضان فكذلك لا يعرف الانسان فعلا مدى تحمل ذاته ونفسيته لهذه الضغوط التي قد تطرأ على حياته، فمنا من يعتقد أن لديه قدرة التحمل ويتحمل فعلًا، ومنا من يعتقد ان يستطيع التحمل ولكنه يفشل، ومنا من يدرك ومنذ البداية أنه لن يستطيع ولا يستطيع فعلًا.

إقرأ أيضاً:  فضل الله لعباده المستضعفين

مساحة إعلانية


فنحن نعرف ذواتنا بشكل جيد ولكننا لا نعرف كيفية تفاعلها مع المواقف بشكل جيد، إلا من درب نفسه على مواجهة الضغوط ونظم أولوياته بأنه مهما حصل لابد من تحقيق الهدف والأشخاص الأكثر براعة بهذا المضمار هم أبطال الرياضة لأنه تم تدريبهم على مواجهة كل الظروف والضغوطات.

وهذا يعني انه لا يمكن مواجهة الحياة فقط بالمعرفة البدائية والبديهية للذات البشرية، فهناك تدريب وترويض لهذه الذات وهناك الإصرار على عدم اغراقها في الترف والدعة بل لابد من تعليمها بأن الحياة عبارة عن تحديات وصراعات وكذلك سعادة وبهاء، وأن تكون مستعدة لجميع الظروف. فالتفكير المحموم بأن الحياة لابد أن تكون شيئًا جميلًا طوال الوقت يُضعف القوة النفسية لدى البشر، لأن أنفسهم تصبح تربة هشة رقيقة لا تتحمل غرس الأشجار الكبيرة والمثمرة بها، تتحمل فقط بعض الأزهار ذات الجمال الذي لا يلبث ان يذوي.

الحقيقة هي اننا نتعرف على أنفسنا في كل المواقف مثلما نتعرف على الآخرين، وأن العقل يقرر ولكن النفس تصارع العقل في قراراته وبأغلب الأوقات هي من ينتصر لأن العقل لا يوجد لديه الإلحاح الذي تتمتع به النفس، فهو ينصح ثم ينسحب ولكن النفس هي صاحبة الإصرار والرغبة والنزعات العاطفية السلبية والإيجابية، العقل هو الأمير ولكن النفس هي الدافع المُحرك لردود أفعالنا وأقوالنا، لذلك نكتشف أنفسنا بكل يوم، فالنفس لا تنصاع دائمًا إلى أوامر العقل بل تتمرد بطريقتها الخاصة، عبر الغضب أو الكآبة، العنف أو الانكفاء على الذات أو حتى الوصول إلى الانـتـحار بحالات التصادم الشديد بين الواقع وبين الضغط النفسي.

وحين نعرف طبيعة النفس المتقلبة، وندرك مدى خطورة هذه الطبيعة وتأثيرها على حياتنا فلابد من الحذر والحكمة حين نتخذ أي قرار، فالنفس تريد الانتقام، تريد ان تعبر عن الغضب، تريد أن تتمرد على الواقع ولكنها وبذات الوقت تنقلنا إلى واقع آخر قد يكون أسوء من السابق. لذلك قيل: (أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك).

د. سناء أبو شرار

(نفسك أعدى أعدائك)

إقرأ أيضاً:  حضارتنا


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

الخوف من المصاعد: كيفية محاربته

الجمعة يونيو 2 , 2023
تمت قراءته: 703 قد يكون الرهاب الذي يمكن أن يقود الشخص للخوف من المصاعد مختلفة. هذا سوف يعتمد على ما يثير الخوف. الخوف من المصاعد يرتبط ارتباطا مباشرا برهاب الأماكن المغلقة، وهو الاسم الذي يطلق على الخوف من الأماكن المغلقة، الصغيرة جدا أو ذات الأبعاد المحدودة، مثل مقصورة المصعد. ومع […]
الخوف من المصاعد كيفية محاربته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة