التنجيد. طقوس بهجة وسرور

قبيل إتمام الأعراس بأيام، ووسط مظاهر بهجة وسرور، تتجمع النسوة في منزل العروس ليحضرن “مراسم” عملية التنجيد. حيث تُنجز أحد أهم اللوازم الأساسية للبيوت الجديدة. وهي حشو الفـُرش والألحفة والوسائد، وتزيينها وخياطتها. ومن ثم تُنقل، مع آخر ما يُنقل من أغراض وعاديات ومنقولات، للعش السعيد. ومن حسن طالع هذه الحرفة، ومحترفوها الذين يجمعون بين وراثتها، وتجليات مهارتها، أن الطلب مستمر عليها طيلة أيام العام. حيث “يُجدّدون، أو يرممون” للناس فـُرشهم، وألحفتهم، ووسائدهم. معلومات شاملة عن التنجيد.

معلومات شاملة عن التنجيد
الشرق الأوسط

“التنجيد”أو”النَّجَادَة”أو” الندافة” من المهن الشعبية العريقة المتوارثة. وهي تقوم بتحويل الفرش (الطراحات)، والأغطية (الألحفة)، والوسائد (المساند/ التكئات) إلى تحفٍ فنيةِ، وأغراضِ عمليةِ تسر الناظرين، وتـُريح المستخدمين. ولم لا. وهي التي أعم نفعًا، وأكثر موائمة، وأفضل دفئًا من عديد من الفرش الجاهزة. فالتنجيد بالقطن أو الصوف أكثر صحة للأجسام، وراحة للأبدان. لذا يحرص الناس عليها، يدأ بيد أربابها من الصناع المهرة، للحفاظ على هذه المهنة اليدوية العريقة، واستمرارها، وتطويرها. لتبقي عالمًا جميلًا. يعكس كثيرًا من شخصية الصانع. المثابر الدؤوب، وبصمات يديه الفنية، وابتكاراته الفردية.

والمُنَجّدون فريقان: (معلومات شاملة عن التنجيد)

  1. صاحب الدكان. وهو (أسطي) مشهور يعمل لديه عدد من الصناع والصبيان. ويقوم بجانب حرفة التنجيد ببيع الأقطان والأصواف، وأقمشة التنجيد (ولعله تاجر تجزئة من الجانب الإقتصادي). وهو في بعض المدن وثيق الصلة بحرفة النسيج، وقد يكون مالكًا لبعض (أنوال) النسيج. لذا قد يعرض بعض مشغولاته أو مشغولات غيره. وصاحب الدكان لا يمارس الصنعة في البيوت إلا إذا كان العمل هامًا، أو كان تنجيدًا لجهاز عرس كبير. وقد يستغل المنجد المعلم وقته، وجهد صبيانه في تنجيد الألحفة أو الفرشات أو ألحفة الأطفال كسلع جاهزة تباع لذوي الحاجة الماسة، والعابرة.
  2. أما “المنجد الجوال” فيمارس صنعته في بيوت الزبائن. وقد يتخذ من دكان (الأسطي) أو مقهي ما مقرًا له يتلقي من خلالهما طلبات العمل. وهو معروف في البلدات والقري والنجوع لشهرته في إتقان الصنعة أولًا. حيث تتميز مشغولاته بتفصيلات لا يبدعها غيره. ولا يأخذ المنجد المُعلم (الشيخ) عمولة من النجادين الجوالين. إذ غالبًا ما يكونون من صبيانهم السابقين. وفي بعض الحالات يشارك المنجد نساء يعملن معه في تحضير تجهيزات، وتشطيبات المنتوجات. وعمومًا. يعتبر وجود المنجد في البيت مناسبة للمباهاة. حيث يطلع المنجد خلال عمله على الوضع الإجتماعي والإقتصادي للعائلة الخ.
المنجد الجوال
Sonia Sevilla – Wikipedia

أدوات، وخامات (معلومات شاملة عن التنجيد)

لكل حرفة أدواتها التي لا غني عنها للحرفي. وتشمل أداوت التنجيد القديمة: القوس، والمدقة، والمطرق، (العصا)، والكشتبان، والإبر بمختلف أنواعها (منها: المسلاة، والميبرة، والإبر الكبيرة والعادية). وقد تم استبدال الماكينة الكهربائية بالقوس والمدقة، لتساعد على نتف وتنعيم الحشو (يطلق البعض علي نتف القطن: “مز”). أما الصوف القديم فهو “جز، وناعم”. فالجز يلزم ضربه بقضيب ليتناثر جزيئات هشة، ويصير كومة. أما للصوف الناعم فيستخدم المنجد إبرة طويلة ومدقة خشبية كي تزيد وزن الصوف حتى لا يتحرك أثناء التقطيب.

ويتوقف اختيار خامات التنجيد كالقطن، أو الصوف، أو الوبر، أو قش القمح والأرز (القصل) علي مقتنيات البيت وتجهيزاته. والوضع المادي للعميل وما ينفقه علي خامات التنجيد، وأقمشته. وغالبًا ما يعتمد التنجيد على القطن في عملية الحشو. وهذا القطن من نواتج المحالج، ومصانع الغزل والخيوط. وقلما يستخدم القطن الزهر (الأصلي) في التنجيد بعد فصل البذور عنه (في المحلج). ولا يساعد استعمال “قش القمح والأرز” على إطلاق العنان لإضافات الصانع، لعدم مرونتها في تقبل فنياته. ويبقي أمر المظهر الخارجي للمنتج مرهون بطبيعة الأقمشة (المتباينة الخامة، والقيمة، واللون)، ونوعية وجماليات الغرز، والخيوط المستعملة.

وربما تقترب أو تختلف مصطلحات الحرفيين في هذا المضمار، والتي منها “الثـوب”: كيس داخلي للفرشة والجنبية والمخدة والمساند. و”الطرحة”: قماشة أرضية اللحاف. و”الوجـه”: قماشة السطح العلوي للحاف. و”الروسيات”: أكياس طرفي المخدات. و”الكسـوة”: أقمشة يغلف بها الفراش بعد تنجيده. ويتعامل المنجدون مع “مقاسات” شبه متعارف عليها، لكنها قابلة ايضا للتغيير حسب رغبة الزبائن (في الريف أو الحضر) هناك: الفرشة المفردة/ المجوز، واللحاف المفرد/ المجوز، والمخدة العـادية/ المجـوز، والجنبية الأرضية، والمسنـد، وفرشـة ولحاف الأطفال.

“أجمل” تنجيد (معلومات شاملة عن التنجيد)

تتجلى أهمية، و”شعبية” المنجد عند تنجيد فراش العرس. حيث يأخذ الأمر طابعًا “احتفاليًا بهيجًا”. فتستضيف عائلة العروس أهل عريسها من النساء طيلة تلك الأيام. وتشارك العروس وأمها وأخواتها مع أهل العريس في الانضمام إلى العمل. ويتم استشارة العروس في مقاسات فراشها، ونوعية أقمشته وألوانها، ومتطلبات الملحقات (إكسسواراتها) مثل المخدات، والمساند إلخ. وغالبًا ما تقوم العروس أو ذويها بتطريز أثواب تلك المحلقات قبل عملية التنجيد.ومن ثم يجري تلبيس هذه الأثواب عند الانتهاء من التنجيد.كما تقوم بترتيب فراشها، وتطمئن عليه قبل الزفاف بيوم.

وتشمل عملية التنجيد حشو القطن في الفراش. وتثبيت الحشوة بالكسوة الداخلية بواسطة خيوط التنجيد (الغرزة). وتتركز عملية التنجيد في إنجاز الفرشة واللحاف بصورة أساسية. وباقي أشكال التنجيد ما هي إلا تنويعات على هذه العملية. علي أن أجمل عمليات التنجيد “المُبهجة والرائعة” تنجيد الألحفة. وتتكون “طرحة” اللحاف من (الدمور). بينما يفضلها البعض من (البفت) الأبيض. أما الوجه فيكون من الساتان أو التفتا. ويكون من لون واحد على رغبة العميل. وأغلب الألوان هي الفاتحة: كالأحمر الزهري، والأزرق السماوي، والبطيخي، والبصلي، والأخضر بدرجاته. وهذه الألوان (مقارنة بغيرها من الغوامق) تعكس غرز التنجيد، وتبرزها بصورة أفضل. كذلك يتوقف لون وجه اللحاف على طبيعة الاستخدام.

إذ يفضل اللون الزهري في ألحفة الكبار، والأزرق للفتيان والفتيات. أما اللون البصلي فيستخدم للعرسان وللأزواج في الأسر الشابة. ويتم فرد الأرضية ثم وضع القطن عليها بعناية وتوزيعه حتى يتساوى سمك اللحاف في جميع الأجزاء. ثم يتم فرد وجه الساتان ويثبت بواسطة الإبرة من الأركان الأربعة، ويبدو مشدودًا. ثم يقوم المنجد بالإبرة الصغيرة بحياكة أطراف الأرضية مع الوجه وتسمى هذه العملية غبن وجه اللحاف.

أما تزيين وجه الألحفة فبآلية أقرب إلى التطريز. حيث يصمم المنجد الرسوم بتوزيع هندسي متناسق. يبدأ من مركز اللحاف إلى محيطه أو العكس حسب المطلوب. ومن أهم الرسوم الشائعة: الصينية، والنجمة المتوسطة، والنجوم المتكررة، والقلب، والبقلاوة، والطاووس، والقمر. وهناك اجتهادات في ابتكار رسومات حسب خبرة المنجد وقدرته على المزج بين أكثر من تصميم. كما يراعي توافق الرسوم مع لون الوجه. فاللون الزهري أو الأزرق السماوي والبصلي يتوافق مع معظم التصاميم. بينما تتألق رسمة الطاووس أكثر على اللون البصلي. أما النجوم فتبدو أكثر وضوحًا مع اللون الأزرق. ونقش القمر والبقلاوة تتجلي مع اللون الزهري وهكذا.

وبعد الانتهاء من تنجيد اللحاف يلبس بالكسوة الخارجية وكسوة الأرضية من الفت الأبيض الناصع. أما الوجه فيكون من الشاش الخفيف. ولدى العائلات أو في المدن يستخدم وجه من التل الذي يظهر تفاصيل وجه الثوب ورسومات المنجد. ويتباين فراش العروس من مدينة أو قرية لأخري، وفي متوسطاته: 4 فرشات مجوز، 4لحافات مجوز، 7 مخدات. ومخدات العروس لها شراشيب من الساتان عند الروسيات، وثوب المخدة من البفت الأبيض الطري مطرز يدويًا، ويختلف التطريز من عروس لأخرى.

مواسم أخري

بجانب التنجيد للأعراس توجد له مواسم أخري معروفة. ففي فصل الربيع (وبعد برد الشتاء) تقوم الكثير من الأسر في المدن والقري بفك (فرط) الفراش، وإعادة تنجيده، وتجديده. وهناك ما يسميه أهل الكار بـ “التنجيد الطيار أو الزبون الطيار”. وهو الذي يقوم بتنجيد فرشة أو لحاف لضرورات ملحة أو الزبائن الذين يرتادون سوق البلدة. حيث يقومون بتنجيد بعض الأغطية والفرشات. وغالبًا ما يكون هؤلاء الزبائن من سكان القرى المحيطة أو من مضارب البدو الذين يتجارون في سوق البلدة. وغالب المشغولات الطيارة للزبائن من غير أهل البلدة تستخدم فيها الأقطان والأقمشة الرخيصة. وربما لا يبذل فيها جهدًا إبداعيًا يميز الصنعة.

خلاصة القول

لكل مناسبة حرف ومهن وخدمات ترافقها وتروج فيها. وبعد انتهائها تعود تلكم الحرف والمهن والخدمات إلى ما كانت عليه من سابق عهد. بيد أن أصحابها والمستفيدين منها يتمنون أن تبقى الأيام كلها مناسبات. ولعل حرفة التنجيد، مع بعض الحرف الأخري، استثناء من تلك القاعدة (الموسمية). فهي “اللوازم” المطلوبة في مناسبات الأعراس فضلًا عن باقي أيام العام. ويبقي. أنها من الحرف اليدوية الأصيلة التي تجمع بين مهارة الصنعة، وتجليات الصانع. حيث يضع النجاد من ابتكاراته، ويضيف من لمساته على المنتج الذي يقوم عليه. لذا كثيرًا ما ترتبط بأشخاص احترفوا وتميزوا واكتسبوا شهرتهم من إتقانهم لها، وتميز مشغلاتهم بتفصيلات ومنمنمات لا يبدعها غيرهم. مما يجذب إليهم محبو الإتقان، وعاشقوا الجمال في آن.

أ.د. ناصر أحمد سنه
كاتب وأكاديمي مصري

 

إقرأ أيضاً:  فنون السعفيات


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

فصحاء اللسان

الأثنين يوليو 12 , 2021
تمت قراءته: 2٬964 عند اختياري لعنوان مقالتي ترددت كثيرًا أن يكون كذلك ولكن توقف الفكر برأسي وهداني ربي للعنوان. فالإنسان بطبيعته تغمره كثيرًا من الصفات وقد يكون مجبولًا عليها وقد يكتسب بعضها لظروفه البيئية والمعيشية والاجتماعية. وهذه الصفات منها الممدوحة ومنها المذمومة ومنها ما هو متفق على ذمه ومنها ما […]
الفصاحة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة