يقول سبحانه: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْه البقرة / 185.
جعل الله للمسلمين مواسم للطاعات يتضاعف فيها الأجر والثواب كما جعل المواسم هذه صحة للأبدان وبركة في المال. وشهر رمضان هو إحدى هذه المواسم التى يصومها المسلم فتكون تكفيرًا لذنبه ورفعة له عند ربه وفيها زيادة لمناعته وتقوية لبدنه وتدريبًا له على الصبر والاحتمال. فالأصل أن شهر رمضان شهر يقل فيه الإنفاق على الملذات وتكثر فيه الصدقات. غير أن واقعنا المعيش وما نلحظه قُبيل دخول شهر رمضان من مظاهر يجعلنا نتساءل هل رمضان شهر عبادة أم هو عادة فقط؟ (رمضان عبادة أم عادة؟)
كان لشهر رمضان عند سلف المسلمين مكانة عظيمة، فهو الشهر الذي تكثر فيه العبادات ويتفرغ فيه العبد لتلاوة القرءان والإكثار من الصدقات حيث ذهب بعضهم لترك مجالس العلم ومنادمة القرءان وختمه مرات عدة، ومن أمثلة السلف هؤلاء: سفيان الثوري الذي كان: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن ” وكذلك إبراهيم النخعي حيث قال عن الأسود: ” كان الأسود يختم القرآن في شهر رمضان في كل ليلتين، وينام فيما بين المغرب والعشاء، وكان يختم فيما سوى ذلك في ستة.
و هذه هي الغايات التى جعلها الله لنا في رمضان فهو شهر التقوى والتقرب لله عز وجل ومضاعفة للحسنات بمساعدة ربانية قال تعالى: “. ليلة القدر خير من ألف شهر. “. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. . . الحديث) وهذه بشرى للصائم بالجزاء الأوفى الذي خصه الله به سبحانه.
و لكن في وقتنا الحالي ما نشهده من ممارسات عامة الناس وكذا وسائل الإعلام قبيل رمضان لا يعكس الهدف المرجو من هذه الشعيرة. فباقتراب رمضان يهرع الناس لتخزين ما تسقط عليه الأعين من مأكل ومشرب وأواني غافلين عن التحضير النفسي والديني للأرواح. وهذا ما يعطي انطباعًا لدى الناشئة التى تلاحظ الأفعال قبل الأقوال أن رمضان هو شهر المأكولات والاجتماعات والسهرات. إضافة لذلك ما تنقله وسائل الإعلام من رسائل سلبية ترسخ في ذهن المتلقي أن رمضان ما هو إلا شهر لتنوع المأكولات والعصائر والمسابقات والخرجات والنوم وهو شهر ينام فيه الرجل النهار كله ليخرج عند المغرب ناقدًا لكل شيء على المائدة، وذالك الرجل الفظ الذي لا ينبغي الإقتراب منه وإلا انهال عليك سبًا وشتمًا بحجة أنه “مرمضن” أي صائم.
مساحة إعلانية
فهذه الصور النمطية السلبية وغيرها يسيء لقدسية الشهر الفضيل فلا تكاد تخلو قناة من صور مشابهة لهذا بحجة الفكاهة إضافة لتلك الإشهارات المتكررة عن أنواع المأكولات والمنظفات والمسلسلات الخادشة للحياء المنافسة للقيم وكأن رمضان شهر البطون فقط. وهذا يعاب عليها كون الرسالة المنوطة بالقنوات الإعلامية والإعلام تتمثل في نشر الوعي ومحاربة المظاهرالسلبية لا تغذيتها. فبهذه السلوكيات فإن الناشئة تتربى على عادة أن رمضان كما صوره الإعلام. فينشؤ فارغًا من القيم الحقيقية والتعاليم الإسلامية.
و حتى نعطي لرمضان حقه وقدره ينبغي على كل طرف بيده التوجيه والتصحيح أن يسعى جاهدا لذلك، فالإمام على منبره يذكر وينور الناس بفضائل رمضان ويذكرهم بضرورة التحلي بالصبر والعزيمة والمعلم في قسمه يحث الطلبة على الإقتصاد في رمضان ومعاهدة قراءة القرءان ومعاملة الناس بالحسنى والوالدين في المنزل يحرصان على ترشيد الإستهلاك وإخراج الصدقات على مرآى من الأبناء ليتربوا على هذه الخصال. والدور المهم على وسائل الإعلام، فلا ينبغي أن يكون رمضان كله إشهارات عن المأكل والمشرب والمسابقات والخرجات والمسلسلات، بل عليهم التركيز على الدروس الدينية التى تذكربفضائل رمضان وموجبات الصيام وأحكامه وبرمجة مسابقات ثقافية فكرية تربوية فيما ينفع الصغار والكبار من سيرة وأحاديث نبوية.
رمضان شعيرة وعبادة أعطاها الله لنا لنفرح بها ونقيمها كما أمرنا سبحانه لننال الجائزة بعد أدائها، قال صلى الله عليه وسلم: ” للصائم فرحتان، فرحة حين يفطر وفرحة حين لقاء ربه” فلنجعل الشهر تربية وتكوينًا لنا. ورسائل للصغار من خلال سلوكياتنا وتعاملاتنا الحميدة. فلنجعله عبادة لا عادة نجوع وننام نهاره ونسهر ليله فيما لا ينفعنا.
محمد دباغ
16 مارس 2023
(رمضان عبادة أم عادة؟)
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
محمد دباغ من الجزائر، أستاذ تعليم ثانوي، متحصل على شهادة ليسانس لغة إنجليزية سنة 2007. ناشط بعدة جمعيات ثقافية وخيرية وخريج المدرسة الكشفية. يهوى المطالعة وكتابة القصص القصيرة والمقالات وكذلك الرحلات الإستكشافية.