أحمد زكي… سيل من الكلمات

فى كثير من الأحيان يبحر الكاتب بكلماته فى وصف أحدهم ممن أرسوا ابداعاتهم بالحياة وتركوها خلفهم إرثا كبيرا غير قابل للتفتت، لكن ماذا إن توقفت الكلمات و عاندتك واكتفت بالصمت العميق ثم نظرت صوب الاسم بقوة وها هى تخبرك انه فحسب “أحمد زكي”.

أحمد زكي... سيل من الكلمات
Masrawy

نقطة البداية

فى بعض الأحيان قد يكفينا مجرد ذكر حروفه لكي نصف بها كل ما هو رائع، لكن ذلك كله لن يحيلنا عن تفسيره كظاهرة تستحق الوقوف عندها طويلاً. ولد أحمد زكي في ١٨ نوفمبر لعام ١٩٤٩ بمحافظة الزقازيق، توفي والده مبكرا دون أن يشعر بوجوده ليكبر سريعا وهو يحمل بين طياته حلماً كبيراً ، صار يقاوم كل هزات العادات وذبذبات التقاليد الشاقة التى قد تحيلك إلى أكبر خاسر بحياتك، لكن زكي تحدى الظروف التي جعلت منه مجرد عامل بسيط بأسرة مصرية عادية وخرج من عباءة الأجداد إلى طريق ليس باليسير أبدا.

التحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج فأكمل طريقه بتقدير امتياز، كان بداياته المسرحية من خلال المسرحية الشهيرة “مدرسة المشاغبين” التي لاحظنا خلالها وجود شاب مختلف الملامح ذات عيون سوداء لكن أحدا منا لم يميز ذلك الذكاء الذى يقطن بمقلتيه ليظهر ذلك جليا بثانى خطواته المسرحية و “العيال كبرت” لتكبر الصورة قليلا وندقق باسم صاحب الصورة الجديدة.. أحمد زكي.

لم تتوقف أعماله البدائية عند هذا الحد لكنها اكتملت باختياره مع سعاد حسنى بفيلم شفيقة ومتولى الذي تأخر عليه قليلا بعد اختياره لفيلم الكرنك الذى كان أن ينهى حياته بسبب استبعاده من بطولته وإسنادها وقتها للنجم نور الشريف، لكن البطل داخله صار يجاهد حتى كانت خطوة “النمر الأسود” التى لم تكن تعبر عن سيرة ذاتيه لصاحبها فحسب بل كانت تحمل فصلا جديدا بنجومية”زكي” الذى لم يجد حاله سوى صاحب لأعمال عديدة فيما بعد أمثال : فيلم الليلة الموعودة مع فريد شوقى، فيلم انا لا أكذب ولكنى أتجمل مع آثار الحكيم، فيلم الحب فوق هضبة الهرم، فيلم العوامة ٧٠ مع فريد شوقى، فيلم الباطنية مع نادية الجندي، فيلم المدمن مع نجوى ابراهيم مسلسل هو وهى مع سعاد حسنى.

إقرأ أيضاً:  أدهشت طواغيت الإستعمار فقرّروا إعدامها

مساحة إعلانية


أول حب

لم تحمل حياة زكي فقط أوراق الأعمال الفنية لكنها كانت تحمل صفحة الحب الذي تأجج بعمر صغيرة حيث انجذب إلى صاحبة الملامح الرقيقة والبريئة الجميلة “هالة فؤاد” ثم تزوجا وهما ببداياتهما الفنية لينجبا بعدها ابنهما “هيثم” ثم تحدث الانقسامات والمشاحنات التى قال عنها زكي فيما بعد أنها كانت نتيجة قلة خبرة من جانبه بالإضافة إلى العصبية الشديدة، ليجبر حاله المحبة إلى التخلي عن فتاة أحلامه الذهبية والعودة الى الحياة وحيدا ليبحر بالعديد والعديد من الأفلام أمثال:
البريء الذي سيظل علامة من علامات السينما ونقطة مضيئة بتاريخ ذكي الفني، مستر كاراتيه، البيه البواب، كابوريا، واستاكوزا حتى مرحلة التألق الكبرى.

علاقات وشائعات

نال اسم ذكي خلال هذه الفترة كثير من الشائعات التي ربطت اسمها بالعديد من الفنانات اللاتي عملوا معه أمثال :نجلاء فتحى والتى فكر ذكي جديا بالارتباط بها بعد قصة إعجاب كبرى من الطرفين لكنه تراجع بالخطوة الأخيرة لتتزوج الأخيرة بعدها ويسدل الستار عن قصة أخري بحياته.

الفنانة وردة وقصة الخطوبة التي لم تكتمل بانسحابه عند نقطة البداية، الفنانة ايمان الطوخى، الفنانة شيرين سيف النصر و الفنانة رغدة التى قدما سويا كثير من الأفلام السينمائية التى ربط الجمهور اسميهما سويا ليمتد التقارب حتى نهاية حياته.

زكي منفردا….

لقد أصبح ذكي نجما سينمائيا كبيرا من خلال أعمال لكبرى المخرجين أمثال :عاطف الطيب الذي أخرج أحد روائع ذكي: الهروب الذى هز الأركان وزلزل تفكير الجمهور خلال تلك الفترة بالاضافة الى فيلمه الرائع ضد الحكومة الذى تعالى بفنه عالياً نحو الكلمة الحق والعدل الذى يصبو اليه الجميع.

توالت الأعمال الكبيرة مثل “سواق الهانم” وبطولة مشتركة مع الخالدة سناء جميل التي قام بتكرار ذاتها التجربة بفيلم “اضحك الصورة تطلع حلوة”، دوره المختلف بفيلم “الباشا” والرقيقة منى عبد الغنى، الرجل الثالث وبطولة هوليودية مع محمود حميدة لتذكرنا بثنائي “face off” لجون ترافولتا ونيكولاس كيدج، فيلم هيستريا ونوع مختلف من الدراما النفسية ولقاء خاص بالمتألقة عبلة كامل.. كم مثلا ثنائيا رائعا خلال تلك الفترة.

نضج فني

توالت الأعمال ولازال هو وحيدا بحياة لا يملأ أركانها سوى الفن الذي ذرعه داخل أوصاله حتى النهاية، خلال تلك الفترة قدم الفيلم العبقري “زوجة رجل مهم” للمخرج محمد خان الذى أبرز لنا به وجهه العالمي المتألق فهو لا يقل الآن عن أى فنان عالمي بل هو يتفوق بكل سهولة وبراعة ثم العمل الرائع “ناصر ٥٦” ليظهر لنا زكي المتقمص للشخصيات ليقدم دورا من أهم أعماله ثم فيلم “السادات” الشهير وكم الصدق والتطابق بين زكي والسادات حتى كانت أمنياته بتقديم دوري “عبد الحليم حافظ” و”حسني مبارك” ليحقق إحداهما بأواخر أعماله الذى اصطدم فيه بالمرض اللعين الذى أفقده القدرة على المقاومة واستكمال رحلة الإنجازات المتتالية ليتوقف متوجعا.

إقرأ أيضاً:  "إسماعيل ياسين": الكوميديان البائس

مساحة إعلانية


المرض الأخير – أحمد زكي

مرض أحمد ذكي،، أتذكر تلك الأيام جيداً واننا كطلبة جامعة بتلك الفترة شعرنا بالحزن الكبير على فناننا العبقري فهو الآن يتألم وحده بالمشفى لكن سيل الحب الذى اغدقه الجميع عليه من إعلاميين، فنانيين حتى جمهوره جعله يحاول الصمود بحفل توقيع فيلمه حليم وتوالت الآهات التي حفزته من أجل العدول عن اليأس والعودة للأضواء من جديد لكن ذلك لم يحدث حتى كانت الأنباء بوفاة “زكاوة” كما كان يطلق عليه زملائه ليترك خلفه ارثا كبيراً وولدا صغيراً لا يزل يحلم بالكثير لكن دون أسرة..

تحليل نفسى – أحمد زكي

أحمد زكي شخصية طموحة إلى أبعد الحدود أكمل ما نقصه من تعليم بموهبته الجبارة التي جعلت منه قارئ حكيم يلعب على أوتار الجمهور الشعبى، كان زكي شديد الشعور بالوحدة التي كان يخشى منها بأواخر عمره على ابنه الوحيد فكان كثيراً ما يتحدث عن أحلامه لهيثم بأسرة وألا يكرر تجربته الموجعة، شديد العصبية لكنه فى ذات الوقت يحمل من الطيبة أكثرها، عنيد مقاتل على الرغم من هزيمته النفسية مع حاله وابنه…

حليم وزكي – أحمد زكي

كم كبير من التطابق بين قصة حليم المؤثرة وذكى حيث تجتمع بينهما خيوط الابداع والتفرد بالاضافة الى أحاسيس الوحدة المضنية التى عانى منها كليهما، حب الفن الذى زرعه كل منهما داخله مزاحما به حياتهما طاردا أى شخص او شئ غيره،
المرض الذى هاجم كليهما بسن تكاد تكون واحدة، القوة بمواجهة المرض التى تقلد بها النجمين…
وحده زكى من استطاع أن يجسد أوجاع حليم وليس سوى حليم من تغنى بآلام زكي..

قصة فيلم – أحمد زكي

تبدأ أحداث الفيلم بخروج البطل من بلدته بالزقازيق محاولا البدء بحياة مختلفة يبحث فيها عن حلمه الذي صارعه طويلا بأحلامه ورأسه التي تضج بالكثير من الأفيشات التي تحمل اسمه، التحق بالمعهد العالى للفنون المسرحية تحمل من الحياة أضناها حتى استكمل تعليمه بتقدير امتياز بدأ أولى خطواته الفنية مبكرا بأدوار صغيرة حتى استطاع بعد سنوات العدول عن طريقه الثابت وفتح صفحة كبرى من النجاحات المتتالية التى لاحقتها بعد ذلك زواجه الوحيد الذى سرعان ما انتهى مثلما بدأ ليتركه يتيما كما كان كان دوما، احساس اليتم دائما ما يراوده حتى كاد أن يقضى عليه لولا انخراطه بعمله الفني الذي شعر پأنه أسرته الوحيدة، توالت الأعمال وتتابعت الخطوات وهو يعلو بالدرج كما اسمه الذى صعد عالياً جداً بسبب ذكائه الغير معهود وعشقه الشديد للطبقة البسيطة والتعبير عن مشاكلها ومحاولة حلها، لم يكن سوى فرداً من شباب حى من أحياء القاهرة بلون بشرته، رجولته وخفة ظله الملحوظة..

صار يعاني بعد كل دور من أدواره حيث صعوبة حالة التقمص التي يعيشها بنهاية كل فيلم، لكنه لا يزل يحارب يقاوم الركود الانسانى الذى يحياه بصعود فنى غير مسبوق وحالات من التجسيد والتقمص المذهلة لتدور السنوات وابنه يكبر أمام عينيه لكن ليس بحوزته فهو لم يعرف الأمان يوما كى يعطيه!

كلما تقدمت السنوات به صار يخشى مصيره لابنه اليتيم هو الآخر، تجده مختلفا عندما يجلس بصحبته، رقيقا عندما يتحدث اليه حتى كانت النهاية المحزنة فقد تمت هزيمته على مرض سريع لعين لم يعطه فرصة للتمهل أو التفكير لكنه باغته كقاسي لا يرحم فذهب سريعا لربه وقلبه لا يزل على الأرض خائفا مرتعبا…

النهاية

نهى ابراهيم

 

إقرأ أيضاً:  صلاح السعدني.. فيلسوف الفن


لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:



هذه المقالة تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن منصة المقالة.


مساحة إعلانية


⇐ لا تنس عمل مشاركة (Share)

المقالة التالية

عن بُعد وحيد

الأثنين ديسمبر 20 , 2021
تمت قراءته: 2٬264 منذ فترة ليست بالقليلة لم أتابع عمل درامى مصري – ناطق باللغة العربية – بشغف أو ترقب أو مجرد اهتمام لمعرفة النهاية ربما لأنى أجدها حياة رتيبة وربما لأنهم فقدوا تلك المتعة التى كانت سابقا – لايهم الآن أيا كانت الأسباب – ولكن ساقتنى الأقدار كعادتها وتابعت […]
كأنه إمبارح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

error: رجاء عدم محاولة النسخ، وعمل مشاركة/شير أو استخدم رابط صفحة المقالة كمرجع في موقعك - جميع الحقوق محفوظة لمنصة المقالة