كثير منا لا يعلم عن دور الطب البيطري في حياتنا، وهناك من يعتقد أن الطب البيطري ما هو إلا وسيلة لعلاج الحيوان، ولا يعلم أنه يشكل حائط صد منيع ضد ما يزيد عن 150 مرض من أمراض الإنسان التي يشترك فيها مع الحيوان، كما أن غذاء الإنسان -الذي هو مصدر صحته وقوته- يأتي نصفه من النبات ونصفه من الحيوانات والطيور والأسماك، ويشكل الإنتاج الحيواني حوالي 30-50% من نصف استثمارات الإنتاج الزراعي في العالم، كما تعتمد عليه صناعات اللحوم والألبان والأسماك، بالإضافة إلى الأصواف والأوبار ودباغة الجلود، وبالتالي لم يعد الحيوان مصدرًا للغذاء والكساء فحسب؛ لكنه يعد مصدر الصحة والمرض، والغنى والفقر، والبقاء والفناء. المصادر. [1]“Utilization of byproducts and waste materials from meat, poultry and fish processing industries: a review” K. Jayathilakan et al., J Food Sci Technol (May–June 2012) 49(3):278–293 [2]Snake Venoms in Drug Discovery: Valuable Therapeutic Tools for Life Saving” Tarek Mohamed Abd El-Aziz et al., Toxins (Basel). 2019 Oct; 11(10): 564. [3]Doctor Walter Plowright: Veterinary scientist whose vaccine has all but eradicated cattle plague [4]1999: Plowright [5]دعم تفعيل صنع القرارات: الاستثمار في قطاع الثروة الحيوانية ومجموعة أدوات للسياسات. [6]أهم مجالات الاستثمار في القطاع الحيواني بالسودان. حقائق وغرائب عن الطب البيطري
علاقة تضرب في أعماق التاريخ
منذ أن نشأ الإنسان على الأرض وأصبح مصيره مرتبطًا بالحيوان، فالحيوان كان ولا يزال يشكل أهم مصادر غذاء الإنسان وكسائه ودوائه، كما أنه كان شريكًا -ولا يزال- للإنسان في عمله؛ سواء في حرث الأرض أو في نقل المحاصيل والبضائع في القرى والنجوع أو في الصيد.
وكان أول مصدر يهدد بقاء الإنسان هو انتشار الحيوانات البرية المفترسة -كالسباع والذئاب والثعالب- مما اضطر الإنسان لفهم طبيعة تلك الحيوانات، ومعرفة سلوكها وكيفية ترويضها واستئناسها وإحكام السيطرة عليها، كما أدرك خطورة الأمراض الناتجة عن الافتراس مثل داء الكَلِب (السُعار/ Rabies)، ونجح في الحصول -بمساعدة الحيوان أيضًا- على لقاحات وأمصال مضادة تحمي المريض الذي تم افتراسه من المرض الذي يقتل سنويًا ما يزيد عن 55 ألف شخص على مستوى العالم، شريطة أن يتناول اللقاح خلال ساعات قليلة من تعرضه لعضة الكلب.
ومع الوقت تطورت معرفة وثقافة الإنسان، وأصبحت الحيوانات الضارية وسيلة للترفيه والمشاركة في السباقات، والكرنفالات الشعبية، وعروض السيرك، كما أصبحت الحيوانات المستأنسة -كالقطط والكلاب- رفيقًا أساسيًا لمن يعانون من الوحدة مثل كبار السن والمرضى النفسيين.
الحيوان والدواء
يمثل شعار مهنة الصيدلة أبلغ بيان على دور الحيوان في شفاء الإنسان، فالثعبان الملتف حول كأس الدواء في هذا الشعار يعد عجيبة من عجائب الخلق، حيث يكون سم الثعبان القاتل هو نفسه مصدر لأدوية شديدة الأهمية، فهو يعد بمثابة “كوكتيل” يضم أكثر من 100 مركب من المركبات الدوائية التي يستخلص منها كثير من مذيبات الجلطات، ومنشطات القلب، وأدوية الضغط، ومضادات الالتهابات الروماتيزمية، كما تستخدم سموم الثعابين في القضاء على بعض الخلايا السرطانية، وثبت أن لبعضها تأثير قاتل على عدد من البكتيريا والفيروسات والفطريات.
ولا تقتصر الأدوية ذات الأصل الحيواني على سم الثعابين، بل إن كثيرًا من المشتقات الدوائية تأتي من حيوانات أخرى، مثل الهرمونات ومن أهمها الإنسولين الذي يستخلص من الأبقار، ومثل الجيلاتين -الذي يغلف كبسولات الأدوية- واللاكتوز والألبيومين وبعض مشتقات الدم كالصفائح الدموية، وتعتمد صناعة الأمصال على الأجسام المضادة التي تتكون في الحيوان (كالخيل مثلًا) لاستخلاص لقاح التيتانوس وغيره.
استثمارات عملاقة – حقائق وغرائب عن الطب البيطري
يعتمد اقتصاد بعض الدول الأوروبية وأستراليا على الإنتاج الحيواني بشكل كبير جدًا، حيث يتجه الاستثمار إلى تربية قطعان الماشية والأغنام في الوديان وسهول الجبال، ويتجه بعد ذلك مباشرة إلى التصنيع، حيث يتم تعظيم عوائد الإنتاج الحيواني بتحويل خام اللحوم والألبان إلى العديد من المنتجات التي يقبل عليها المستهلك، ولا تقف عجلة الاستثمار عند ذلك؛ بل تسعى لتنمية الموارد الزراعية، وتوسيع رقعة المراعي الطبيعية، وتعظيم إنتاجيتها، وتدوير مخلفات المجازر، وإنتاج الوقود الحيوي، وتطوير السلالات الحيوانية والنباتية من أجل تعظيم الاستفادة وتحقيق أعلى عوائد استثمارية.
جدير بالذكر أن هناك بعض الدول العربية التي تتميز باتساع رقعتها الزراعية، وكثرة أعداد رؤوس الماشية لديها، لكنها لم تتمكن بعد من تغطية السوق العالمي بمنتجاتها أو تحقيق العوائد المرجوة منها؛ نظرًا لعدم اهتمامها بتنمية الموارد المتاحة -وخاصة مجال تصنيع المنتجات الحيوانية- فإدارة الموارد أهم من مجرد امتلاكها.
وهكذا نجد أن الإنتاج الحيواني عامل رئيسي في ازدهار الاقتصاد، وكذلك في العمالة والحد من معدلات البطالة؛ حيث يعمل في الإنتاج الحيواني عالميًا نحو 1.3 مليار نسمة -طبقًا لإحصائيات منظمة الفاو- ويكفي أن نعلم أن مرض واحد كطاعون الأبقار (Rinderpest) أصاب الماشية والأغنام -في شرق إفريقيا وفي منتصف القرن الماضي- وتسبب في القضاء على ثلثي شعب تنزانيا وحده إضافة إلى العديد من سكان نيجيريا وكينيا وغيرها، رغم أن الطاعون البقري لا يصيب الإنسان، لكن أبعاده الاقتصادية والغذائية -المتمثلة في ندرة اللحوم ومنتجات الألبان والألبان المجففة- تسببت في جلب الجوع والفقر الذي أدى إلى هلاك أعداد غفيرة من سكان دول شرق ووسط إفريقيا.
وفي المقابل عندما تم القضاء على هذا المرض باكتشاف اللقاح الناجح -على يد العالم البيطري “د.والتر بلورايت(1923-2010م)- انتعش الاقتصاد من جديد؛ حيث بلغت الزيادة الإنتاجية في الدول النامية من بعد انتهاء الوباء نحو 70 مليون طن من اللحوم، ونحو 1 مليار طن من الألبان، وزادت قيمة الإنتاج في إفريقيا بمقدار 45 مليار دولار، بينما بلغت الزيادة الإنتاجية في الهند نحو 289 مليار دولار. (حقائق وغرائب عن الطب البيطري)
خاتمة – حقائق وغرائب عن الطب البيطري
وفي الختام نتمنى أن يحظى الإنتاج الحيواني بمزيد من الاهتمام على مستوى الحكومات العربية والأفراد، وأن ينصَّب الاهتمام على تنمية مواردنا الحيوانية والداجنة، وأن نلاحق التطور العلمي والتكنولوجي المتسابق في تلك المجالات، فطبيعة المناخ العربي والموارد الحيوانية المتاحة بالدول العربية تؤهلها لأن تنافس وتسبق دول أوروبا والأمريكيتين معًا شريطة أن نضع نصب أعيننا علاقة الطب البيطري والإنتاج الحيواني بالاقتصاد والاستثمار.
د. عمرو يحيى
طبيب بيطري ومُنَظر علمي
لا تنس أن تشترك في النشرة البريدية الأسبوعية لمنصة المقالة ليصلك جديدنا على بريدك الإلكتروني كل يوم جمعة، وذلك من خلال النموذج أدناه و بنقرة واحدة:
مساحة إعلانية
د. عمرو يحيى من مصر. تخرج من كلية الطب البيطري جامعة القاهرة، اتجه إلى ممارسة الطب البيطري بالريف المصري منذ ١٣ عامًا، يهوى الكتابة وعمل النظريات الفيزيائية وإقامة الندوات العلمية، له كتابان منشوران في علوم الطب البيطري على موقع خاص به، وله مقال منشور بمجلة نيويورك ساينس. يحب الابتكار والقراءة والإلقاء، وحضور المهرجانات الثقافية.
الملاحظات أو المصادر
↑1 | “Utilization of byproducts and waste materials from meat, poultry and fish processing industries: a review” K. Jayathilakan et al., J Food Sci Technol (May–June 2012) 49(3):278–293 |
---|---|
↑2 | Snake Venoms in Drug Discovery: Valuable Therapeutic Tools for Life Saving” Tarek Mohamed Abd El-Aziz et al., Toxins (Basel). 2019 Oct; 11(10): 564. |
↑3 | Doctor Walter Plowright: Veterinary scientist whose vaccine has all but eradicated cattle plague |
↑4 | 1999: Plowright |
↑5 | دعم تفعيل صنع القرارات: الاستثمار في قطاع الثروة الحيوانية ومجموعة أدوات للسياسات. |
↑6 | أهم مجالات الاستثمار في القطاع الحيواني بالسودان. |